كلما طُرح موضوع "حقوق الإنسان" في العالمين العربي والإسلامي، تذكرتُ على الفور ما حدث مع د. نصر حامد أبو زيد؛ فهذا الباحث الديني المتدين (المصري)، الذي جرؤ في سلسلة مؤلفات قيّمة على قراءة القرآن من منظور جديد، وجد نفسه في منفى قسريّ في هولندة، منذ أكثر من عشر سنوات. فأعداؤه من رجال الدين والفقه رأوْا فيه "كافرًا" و"زنديقًا" و"مُرتدًا"، لأنه رفض ويرفض التفسير التقليدي المُتّبع للقرآن.
ولعلّ أوضح وأفضل ما يمكن أن يلقي الضوء على توجهه في التعامل مع النص القرآني، هو ما ورد في ملخّص لقاء إذاعي أجراه معه ميشيل هوبنك من إذاعة هولندا العالمية (وترجمه محمد عبد الرؤوف)، فيقول أبو زيد: "... يحتوي القرآن على العديد من الآيات التي يصعب أن تتفق مع المعايير الدولية للديمقراطية الحديثة وحقوق الإنسان. فالقرآن يجيز الرقّ ويجيز عقوبات قروسطية مثل قطع يد السّارق وفرض الجزية على غير المسلمين، كما يمارس التفرقة ضد المرأة في عدة مواضع، مثل منحها نصف ما يحصل عليه الرجل في الميراث. وبتجاهل هذه الآيات "غير الديمقراطية" في القرآن، فإنّ الإصلاحيين حرموا أنفسهم من فرصة الردّ على الأصوليين السلفيين الذين يُصرّون على تطبيقها، وهذا وفقا لأبي زيد هو مكمن فشل الإصلاح الإسلامي حاليًا. ويُوضح أبو زيد ذلك قائلا: "أعتقد أنّ حركة إصلاح الفكر الإسلامي قد وصلت لطريق مسدود. فطالما ظلّ القرآن بمعزل عن النقاش، فليس هناك من طريق للخروج".
ويضيف أبو زيد أنّ الإمكانية الوحيدة لإصلاح حقيقي في الإسلام تكمن في فهم تاريخي للقرآن. فهو يشير إلى أنّ القرآن ليس بنصٍّ جامد يحتوي تشريعات قانونية جاهزة، وصالحة لكل الأمكنة والأزمنة. بل يجب النظر إليه كخطاب ديناميكي متعلق بالحاجات الإنسانية في مكان وزمان مُحدّديْن؛ فهو يحتوي على كل من قيم كونية وتطبيقات تاريخية لهذه القيم. وإذا ما أردنا معرفة الحكمة وراء هذه التطبيقات، يجب علينا أن ندرس السّياق التاريخي. وكمثال على هذا الطرح يذكر أبو زيد الآية التي تمنح المرأة نصف الميراث الذي يحصل عليه الرجل، ويحاجج أبو زيد بالقول إنه "بالنظر إلى هذه الآية في سياقها التاريخي، فإنها تُعدّ في الواقع خطوة كبرى إلى الأمام، لأنه قبل ذلك الوقت لم يكن للمرأة الحق في أيّ شيء على الإطلاق. لذا، فإذا ما طبقنا المقصد الكامن لهذه الآية في وقتنا الحاضر فسنجد أنها تشير إلى أننا يجب أن نعتبر الرجل والمرأة متساوييْن كليًّا أمام القانون". ما يقوله أبو زيد، المتخصص في فقه اللغة العربية، إنّ النص الديني الأصلي هو "مُنتج ثقافي، بمعنى أنّ الله يخاطب البشر وفقاً لثقافتهم".
نشأ أبو زيد في أسرة ريفية بسيطة في إحدى قرى طنطا في 10 حزيران 1943. أنفق على نفسه واستكمل دراسته الجامعية وحصل على ليسانس اللغة العربية من كلية الآداب جامعة القاهرة 1972 بتقدير مُمتاز، مما مكّنه من استئناف دراسته العليا، وتم تعيينه معيدا بقسم اللغة العربية جامعة القاهرة في نفس العام 1972. وفى عام 1976 حصل على ماجستير الدراسات الإسلامية من نفس الكلية، بتقدير ممتاز، فتمت ترقيته إلى مدرس مساعد، وعندما حصل على الدكتوراه عام 1982، مع مرتبة الشرف الأولى، عمل مُدرِّسًا بنفس القسم. وفي عام 1987 ترقى لدرجة أستاذ مساعد. وعندما قدم أبحاثه للحصول على درجة أستاذ تكونت لجنة من أساتذة جامعة القاهرة، بينهم د. عبد الصبور شاهين، الذي اتهم في تقريره د. نصر بالكفر، وتلقى المتشددون الاتهام وحدثت القضية المعروفة التي انتهت بترك نصر الوطن إلى المنفى، منذ 1995، بعد أن حصل على درجة أستاذ، بأسابيع.
وكيف أجبروه على نفي نفسه؟... نظراً لعدم توفر وسائل قانونية في مصر للمقاضاة بتهمة الارتداد، عمل خصوم أبي زيد على الاستفادة من أوضاع محكمة الأحوال الشخصية، التي يُطبَّق فيها فقه الإمام أبو حنيفة، والذي وجدوا فيه مبدأ يُسمّى "الحسبة"، طالبوا على أساسه المحكمة بالتفريق بينه وبين زوجته. واستجابت المحكمة وحكمت بالتفريق بين أبي زيد وزوجته قسراً، على أساس أنه لا يجوز للمرأة المسلمة الزواج من غير المسلم! وفي النهاية غادر أبو زيد وزوجته د. ابتهال يونس، الأستاذة في الأدب الفرنسي، القاهرة نحو المنفى إلى هولندة، حيث يعمل نصر حامد أبو زيد الآن أستاذًا للدراسات الإسلامية بجامعة لايدن.
في 25 تشرين الثاني 2005، أعلنت مؤسسة "ابن رشد للفكر الحرّ" في برلين عن منحها جائزتها السنوية لأبي زيد، "لكفاحه المتواصل من أجل إعادة قراءة معاني القرآن قراءة مستقلة عن التفسير التقليدي، دافعاً حريته الشخصية ثمناً لذلك (...) المفكر الإسلامي المصري والباحث في علم اللغة العربية والعلوم الإسلامية نصر حامد أبو زيد ينقد القراءة التقليدية للقرآن ويدعو إلى تفسير علمي مُدعّم بالحجج، ينطلق من النصّ ليصنّفه في سياقه التاريخي فيُفرّق بين المعاني العقائدية والمعاني التي فرضها السّياق التاريخي. والباحث يؤكد أنّ القراءة المعاصرة للقرآن يجب أن تستعين بمناهج علوم اللغة والتاريخ، خاصة وأنّ النصّ القرآني يحتمل قراءاتٍ وتفسيراتٍ مُختلفةً. وقد ظهرت في التاريخ الإسلامي قراءات وتفسيرات متنوعة قبل أن يحتكر المسلمون المتشدّدون تفسيراتهم الأحادية المنفردة لمعاني الكلمات الإلهية، والتي حصروها في إطار المسموحات والمحرمات، لا غير (...) أبو زيد يريد منع استغلال السياسة للدين كما هو الحال في العديد من الدول العربية والإسلامية، ويرفض ما يمارسه دُعاة التعصّب الديني في إدعائهم لمرجعية الإسلام لتبرير أعمالهم، تماماً كما حدث في العصور الوسطى، حيث جرى تبرير محاكم التفتيش في أوروبا بالمرجعية الدينية المسيحية. ويبدو أنّ المؤسسة الدينية في مصر لا تشعر بالقدر الكافي بخطورة هؤلاء المتشدّدين في استغلالهم للدّين لأهداف سياسية، بل ترى الخطر في تحليل وتفسير الإسلام من قِبل عالم مثل أبي زيد. هذا وضع شاذ ومقلق وخطر"- جاء في بيان تسليم الجائزة.
ويرى أبو زيد أنّ التيار الرئيس من حركة الإصلاح الإسلامي نجح في تحدّي وتجاوز سلطة الإسلام التقليدي، لكنه عجز حتى الآن عن وضع القرآن نفسه موضع البحث والمناقشة، لأنّ فقهاء العصور الوسطى اختزلوا الإسلام في نظام مفصل من الأحكام الفقهية، التي اُعتبرت صالحة لكل زمان ومكان. فمنذ أواخر القرن التاسع عشر تحدى الإصلاحيون المسلمون، مثل محمد عبده، سلطة هذه التشريعات وطالبوا بالاجتهاد في فهم القرآن والسنة أكثر توافقا مع متطلبات العصر الحديث. ولكن، ووفقا لرؤية أبي زيد، فإنّ الإصلاحيين فشلوا في تجاوز الرؤى السائدة وسط أغلب المسلمين، بأنّ القرآن هو كلام الله الذي يجب أن يُطبَّق في كل الأماكن والأزمنة. وعوضًا عن مواجهة هذا التحدّي فضّل أغلب الإصلاحيين التعامل مع القرآن بطريقة براغماتية: فهم يستحضرون الآيات التي تلائم مقاصدهم، فقط، ويتجاهلون تلك التي لا تتلاءم مع هذه المقاصد".
حول الحدود في الإسلام يقول أبو زيد: "إنّ الأحكام القانونية التي ورد ذكرها في القرآن -المسماة حدودًا- كالجلد والصلب والقتل (ولا أذكر "الرجم"، إذ ليس له أساس قرآني، إلا هذا الزعم العجيب بأنّ آية الرجم تم نسخها من المصحف، دون إلغاء حكمها) يكشف الدرس التاريخي أنها ليست أحكاما قرآنية؛ أي لم يُنشئها القرآن. هي أحكام مستعارة من الثقافات والتقاليد السابقة، من اليهودية والقانون الروماني، وربما من تقاليد أقدم. هذه العقوبات ليست أهدافا مُرادَة لذاتها، لأنها تنتمي إلى زمن لم يكن يُمكن التمييز فيه بين المجرم والإنسان العادي، إلا بإحداث هذه الآثار-العلامات في الجسم.
"في زماننا هذا يوضع المجرم خلف أسوار السجون. على المسلمين أن يميزوا بين هذه العقوبات "التاريخية"، وبين "العدل"، الذي هو الهدف والغاية، وهو مبدأ جوهري سارٍ في القرآن كله."
ويدرك نصر أبو زيد أنه بالنسبة لأغلب المسلمين فإنّ الفهم التاريخي للقرآن هو خطوة كبيرة، وهو ما يشرحه قائلا: "يخشى المسلمون من أنّ الكشف عن البعد الإنساني للوحي وللقرآن سيحوّله إلى نصّ بشري؛ هذا أمر مفهوم؛ ولكنه يجب ألا يعوّق جهودنا لفهم القرآن في سياقه التاريخي".
نصر حامد أبو زيد يسعى من أجل حقه الأساسي في أن يقرأ ويعيد القراءة في نصوص تقوم عليها حيواتنا ومسلكياتنا (الأغلبية على الأقل)، ووفقها تتحدد ملامحنا كأمة وكشعوب، وحتى يتم ذلك، فإنّ منظومة حقوق الإنسان في العالمين العربي والإسلامي (وعندنا أيضًا، في مجتمعنا العربي الفلسطيني) ستظلّ تنحصر في ندوات وكراسات تصدر بدعم خارجي، ليس إلا. هذه هي المعركة الأساسية والأولى والأهم، المعركة على القرآن وتفسيراته، والباقي رتوش برتوش.
(مُكاشَفة: غالبية هذه المقالة تجميع ورصد واستعراض لمقالات أخرى، وليست من وضع الكاتب بالضرورة، مما اقتضى التنويه.)
(زاوية "المتأمل" في ملحق صحيفة "فصل المقال")
ولعلّ أوضح وأفضل ما يمكن أن يلقي الضوء على توجهه في التعامل مع النص القرآني، هو ما ورد في ملخّص لقاء إذاعي أجراه معه ميشيل هوبنك من إذاعة هولندا العالمية (وترجمه محمد عبد الرؤوف)، فيقول أبو زيد: "... يحتوي القرآن على العديد من الآيات التي يصعب أن تتفق مع المعايير الدولية للديمقراطية الحديثة وحقوق الإنسان. فالقرآن يجيز الرقّ ويجيز عقوبات قروسطية مثل قطع يد السّارق وفرض الجزية على غير المسلمين، كما يمارس التفرقة ضد المرأة في عدة مواضع، مثل منحها نصف ما يحصل عليه الرجل في الميراث. وبتجاهل هذه الآيات "غير الديمقراطية" في القرآن، فإنّ الإصلاحيين حرموا أنفسهم من فرصة الردّ على الأصوليين السلفيين الذين يُصرّون على تطبيقها، وهذا وفقا لأبي زيد هو مكمن فشل الإصلاح الإسلامي حاليًا. ويُوضح أبو زيد ذلك قائلا: "أعتقد أنّ حركة إصلاح الفكر الإسلامي قد وصلت لطريق مسدود. فطالما ظلّ القرآن بمعزل عن النقاش، فليس هناك من طريق للخروج".
ويضيف أبو زيد أنّ الإمكانية الوحيدة لإصلاح حقيقي في الإسلام تكمن في فهم تاريخي للقرآن. فهو يشير إلى أنّ القرآن ليس بنصٍّ جامد يحتوي تشريعات قانونية جاهزة، وصالحة لكل الأمكنة والأزمنة. بل يجب النظر إليه كخطاب ديناميكي متعلق بالحاجات الإنسانية في مكان وزمان مُحدّديْن؛ فهو يحتوي على كل من قيم كونية وتطبيقات تاريخية لهذه القيم. وإذا ما أردنا معرفة الحكمة وراء هذه التطبيقات، يجب علينا أن ندرس السّياق التاريخي. وكمثال على هذا الطرح يذكر أبو زيد الآية التي تمنح المرأة نصف الميراث الذي يحصل عليه الرجل، ويحاجج أبو زيد بالقول إنه "بالنظر إلى هذه الآية في سياقها التاريخي، فإنها تُعدّ في الواقع خطوة كبرى إلى الأمام، لأنه قبل ذلك الوقت لم يكن للمرأة الحق في أيّ شيء على الإطلاق. لذا، فإذا ما طبقنا المقصد الكامن لهذه الآية في وقتنا الحاضر فسنجد أنها تشير إلى أننا يجب أن نعتبر الرجل والمرأة متساوييْن كليًّا أمام القانون". ما يقوله أبو زيد، المتخصص في فقه اللغة العربية، إنّ النص الديني الأصلي هو "مُنتج ثقافي، بمعنى أنّ الله يخاطب البشر وفقاً لثقافتهم".
نشأ أبو زيد في أسرة ريفية بسيطة في إحدى قرى طنطا في 10 حزيران 1943. أنفق على نفسه واستكمل دراسته الجامعية وحصل على ليسانس اللغة العربية من كلية الآداب جامعة القاهرة 1972 بتقدير مُمتاز، مما مكّنه من استئناف دراسته العليا، وتم تعيينه معيدا بقسم اللغة العربية جامعة القاهرة في نفس العام 1972. وفى عام 1976 حصل على ماجستير الدراسات الإسلامية من نفس الكلية، بتقدير ممتاز، فتمت ترقيته إلى مدرس مساعد، وعندما حصل على الدكتوراه عام 1982، مع مرتبة الشرف الأولى، عمل مُدرِّسًا بنفس القسم. وفي عام 1987 ترقى لدرجة أستاذ مساعد. وعندما قدم أبحاثه للحصول على درجة أستاذ تكونت لجنة من أساتذة جامعة القاهرة، بينهم د. عبد الصبور شاهين، الذي اتهم في تقريره د. نصر بالكفر، وتلقى المتشددون الاتهام وحدثت القضية المعروفة التي انتهت بترك نصر الوطن إلى المنفى، منذ 1995، بعد أن حصل على درجة أستاذ، بأسابيع.
وكيف أجبروه على نفي نفسه؟... نظراً لعدم توفر وسائل قانونية في مصر للمقاضاة بتهمة الارتداد، عمل خصوم أبي زيد على الاستفادة من أوضاع محكمة الأحوال الشخصية، التي يُطبَّق فيها فقه الإمام أبو حنيفة، والذي وجدوا فيه مبدأ يُسمّى "الحسبة"، طالبوا على أساسه المحكمة بالتفريق بينه وبين زوجته. واستجابت المحكمة وحكمت بالتفريق بين أبي زيد وزوجته قسراً، على أساس أنه لا يجوز للمرأة المسلمة الزواج من غير المسلم! وفي النهاية غادر أبو زيد وزوجته د. ابتهال يونس، الأستاذة في الأدب الفرنسي، القاهرة نحو المنفى إلى هولندة، حيث يعمل نصر حامد أبو زيد الآن أستاذًا للدراسات الإسلامية بجامعة لايدن.
في 25 تشرين الثاني 2005، أعلنت مؤسسة "ابن رشد للفكر الحرّ" في برلين عن منحها جائزتها السنوية لأبي زيد، "لكفاحه المتواصل من أجل إعادة قراءة معاني القرآن قراءة مستقلة عن التفسير التقليدي، دافعاً حريته الشخصية ثمناً لذلك (...) المفكر الإسلامي المصري والباحث في علم اللغة العربية والعلوم الإسلامية نصر حامد أبو زيد ينقد القراءة التقليدية للقرآن ويدعو إلى تفسير علمي مُدعّم بالحجج، ينطلق من النصّ ليصنّفه في سياقه التاريخي فيُفرّق بين المعاني العقائدية والمعاني التي فرضها السّياق التاريخي. والباحث يؤكد أنّ القراءة المعاصرة للقرآن يجب أن تستعين بمناهج علوم اللغة والتاريخ، خاصة وأنّ النصّ القرآني يحتمل قراءاتٍ وتفسيراتٍ مُختلفةً. وقد ظهرت في التاريخ الإسلامي قراءات وتفسيرات متنوعة قبل أن يحتكر المسلمون المتشدّدون تفسيراتهم الأحادية المنفردة لمعاني الكلمات الإلهية، والتي حصروها في إطار المسموحات والمحرمات، لا غير (...) أبو زيد يريد منع استغلال السياسة للدين كما هو الحال في العديد من الدول العربية والإسلامية، ويرفض ما يمارسه دُعاة التعصّب الديني في إدعائهم لمرجعية الإسلام لتبرير أعمالهم، تماماً كما حدث في العصور الوسطى، حيث جرى تبرير محاكم التفتيش في أوروبا بالمرجعية الدينية المسيحية. ويبدو أنّ المؤسسة الدينية في مصر لا تشعر بالقدر الكافي بخطورة هؤلاء المتشدّدين في استغلالهم للدّين لأهداف سياسية، بل ترى الخطر في تحليل وتفسير الإسلام من قِبل عالم مثل أبي زيد. هذا وضع شاذ ومقلق وخطر"- جاء في بيان تسليم الجائزة.
ويرى أبو زيد أنّ التيار الرئيس من حركة الإصلاح الإسلامي نجح في تحدّي وتجاوز سلطة الإسلام التقليدي، لكنه عجز حتى الآن عن وضع القرآن نفسه موضع البحث والمناقشة، لأنّ فقهاء العصور الوسطى اختزلوا الإسلام في نظام مفصل من الأحكام الفقهية، التي اُعتبرت صالحة لكل زمان ومكان. فمنذ أواخر القرن التاسع عشر تحدى الإصلاحيون المسلمون، مثل محمد عبده، سلطة هذه التشريعات وطالبوا بالاجتهاد في فهم القرآن والسنة أكثر توافقا مع متطلبات العصر الحديث. ولكن، ووفقا لرؤية أبي زيد، فإنّ الإصلاحيين فشلوا في تجاوز الرؤى السائدة وسط أغلب المسلمين، بأنّ القرآن هو كلام الله الذي يجب أن يُطبَّق في كل الأماكن والأزمنة. وعوضًا عن مواجهة هذا التحدّي فضّل أغلب الإصلاحيين التعامل مع القرآن بطريقة براغماتية: فهم يستحضرون الآيات التي تلائم مقاصدهم، فقط، ويتجاهلون تلك التي لا تتلاءم مع هذه المقاصد".
حول الحدود في الإسلام يقول أبو زيد: "إنّ الأحكام القانونية التي ورد ذكرها في القرآن -المسماة حدودًا- كالجلد والصلب والقتل (ولا أذكر "الرجم"، إذ ليس له أساس قرآني، إلا هذا الزعم العجيب بأنّ آية الرجم تم نسخها من المصحف، دون إلغاء حكمها) يكشف الدرس التاريخي أنها ليست أحكاما قرآنية؛ أي لم يُنشئها القرآن. هي أحكام مستعارة من الثقافات والتقاليد السابقة، من اليهودية والقانون الروماني، وربما من تقاليد أقدم. هذه العقوبات ليست أهدافا مُرادَة لذاتها، لأنها تنتمي إلى زمن لم يكن يُمكن التمييز فيه بين المجرم والإنسان العادي، إلا بإحداث هذه الآثار-العلامات في الجسم.
"في زماننا هذا يوضع المجرم خلف أسوار السجون. على المسلمين أن يميزوا بين هذه العقوبات "التاريخية"، وبين "العدل"، الذي هو الهدف والغاية، وهو مبدأ جوهري سارٍ في القرآن كله."
ويدرك نصر أبو زيد أنه بالنسبة لأغلب المسلمين فإنّ الفهم التاريخي للقرآن هو خطوة كبيرة، وهو ما يشرحه قائلا: "يخشى المسلمون من أنّ الكشف عن البعد الإنساني للوحي وللقرآن سيحوّله إلى نصّ بشري؛ هذا أمر مفهوم؛ ولكنه يجب ألا يعوّق جهودنا لفهم القرآن في سياقه التاريخي".
نصر حامد أبو زيد يسعى من أجل حقه الأساسي في أن يقرأ ويعيد القراءة في نصوص تقوم عليها حيواتنا ومسلكياتنا (الأغلبية على الأقل)، ووفقها تتحدد ملامحنا كأمة وكشعوب، وحتى يتم ذلك، فإنّ منظومة حقوق الإنسان في العالمين العربي والإسلامي (وعندنا أيضًا، في مجتمعنا العربي الفلسطيني) ستظلّ تنحصر في ندوات وكراسات تصدر بدعم خارجي، ليس إلا. هذه هي المعركة الأساسية والأولى والأهم، المعركة على القرآن وتفسيراته، والباقي رتوش برتوش.
(مُكاشَفة: غالبية هذه المقالة تجميع ورصد واستعراض لمقالات أخرى، وليست من وضع الكاتب بالضرورة، مما اقتضى التنويه.)
(زاوية "المتأمل" في ملحق صحيفة "فصل المقال")
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق