الثلاثاء، 9 يونيو 2009

الإعلام الإسرائيلي ربح الانتخابات اللبنانية



مَن يقرأ الصحف الإسرائيليّة الأساسية الثلاث («هآرتس»، «يديعوت أحرونوت» و«معاريف»)، صباح أمس الاثنين، يخال لبنان جزءاً من إسرائيل أو إسرائيل جزءاً من لبنان. لا أذكر متى أولت جريدتا «يديعوت» و«معاريف» صفحتها الأولى والصفحات الداخلية الأولى لشأن عربي ـــــ دولي في غير سياق عمليّة تفجيرية أو عملية مقاومة أو حرب.

«معاريف» وضعت صورةً كبيرةً للأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصر الله مع عنوان حاسم: «نصر الله: خسرنا». أمّا الصفحات من 2 إلى 4، فجاءت كلّها مخصّصة للانتخابات اللبنانية. وفي «يديعوت»، وضعوا على رأس الصفحة الأولى «نيغاتيف» أسود حمل عنوان: «تقارير لبنانية: حزب الله خسر». أما الصفحتان الرابعة والخامسة، فقد تناولتا موضوع الانتخابات. وفي «هآرتس»، وُضعت صورة كبيرة احتلّت الصفحة الأولى، وتصدّرها خبر رئيس عن الحدث اللبناني، إضافةً إلى تخصيص الصفحة الثانية كلّها (قطع كبير) للموضوع.

الانتخابات في لبنان؟ منذ متى تستأهل شؤونٌ مدنية ــ سياسية في بلد عربي كل هذا الاهتمام؟ ماذا حدث للصفحات الخلفية المعتمة؟

لا يمكن تفسير هذا إلّا من خلال منظور واحد ووحيد: إسرائيل تتعامل مع الانتخابات اللبنانية كمسألة أمنية محضة. وإذا كانت المسألة أمنيةً، فهي على رأس سلّم الأولويات طبعاً. هذا هو سرّ الاهتمام، وإلّا فلم يكن الموضوع ليحظى بأكثر من خبر عابر في أسفل الصفحة العشرين.

إسرائيل ـــــ وإعلامها ـــــ يريان في لبنان (جنوبه ومركزه) جبهةً إسرائيلية، تطلق بشأنها التقديرات والتحليلات، تبشِّر وتنذر، تبني السيناريوهات وتدعم التيارات وتطلق الوعود والوعيد. هذه مسلكيّات دولة ترى في نفسها وصيةً أو مسؤولة عن دولة أخرى. هذه ليست وصاية كولونيالية عادية؛ إنّها وصاية أمنية ـــــ سياسية تنقسم إلى قسمين: قسم الحرب والدكّ والتدمير، وقسم الدعاية والترويج و«الدبلوماسيات»، بين دكّ ودكّ.

القنوات الثانية والعاشرة والأولى، المحطّات الإسرائيلية الكبرى كلّها تعاملت مع الانتخابات اللبنانية على أنّها حدث مفصلي إسرائيلي: المعلّقون على الشؤون العربية احتفوا بالانتخابات، وحلّلوها كما لو أنهم يتحدثون عن «كديما» و«العمل». المشكلة تظل في الجهل المطبق لدى الشعب الإسرائيلي في ما يخص ثنايا وخفايا -وحتى ظواهر- السياسة اللبنانية. وبهذا تظل الكلمة الفصل في الشأن للمعلِّق «المستعرب»، فهو يفهم على العرب»!

إنّه انفتاح في ضمن أجندة أمنية بحتة وضيقة، وهو يدخل ضمن استراتيجيات الحرب المتواصلة على لبنان: في لبنان، نقصفهم بسلاح الجو والأرض... وفي إسرائيل نقصفهم بتحليلات المعلّقين والمحذّرين من «حزب الله» وشركائه... حتى يحين القصف القادم!


(نُشرت هذه المقالة في "الأخبار" اللبنانية، الثلاثاء 9 حزيران 2009)