ما بالكم حين نجد أنفسنا، نحن الحالمين بكل عبارات "الغد الأفضل"، نعيش حالاً مؤقتةً، ومزمنةً بمضمونها، ندافع فيها عن زميلنا الكاتب علاء حليحل وعن حقه (حقنا) في التعبير عن رأيه في وقت تختفي فيه الأقلام، وتستل فقط عند اللاحاجة. ما قيمة القلم أصلاً حين لا ينتفض على الإجماع؟ وما قيمة حرية التعبير حين لا نكون بحاجة لها؟
نعم، إنَّها الحالة المأزومة ذاتها، حين تتحول المعتقدات الى "تابو" لا يكسر، فترانا صامتين أمام فيض التعليقات التحريضية ضد كاتب عبَّر عن رأيه، ونعجز في خضم ووابل الإتهامات وخطب أيام الجمعة في عددٍ من البلدات العربية، منحدرين نحو هاوية المجهول وسط تجاهل تام لأزماتنا الحقيقة.
من أين سنأتي بالأمل حين ينشغل بعض القادة بمقالة عن رمضان و"إسقاطاتها"، وحين يعود بعض "المحللين" إلى "حروب الردّة والمرتدين"، وتفتح الشكبة الإلكترونية على مصاريعها للهجوم على الكاتب، في وقت أنَّ الأزمات الحقيقية التي لا تحتمل التأجيل مستشرية ومتغلغلة ومتشعبة في اهتراء حاضرنا؟
قبل يومين فقط، قتلت إمرأة في عرب الشبلي في أعقاب "رصاصة طائشة"، وامرأة من أم الفحم قتلت بنفس الطريقة ولنفس السبب، وعشرات النساء يقعن ضحايا لـ "جرائم الشرف". القرى العربية يحتلها إطلاق النار، ولا أمن في المدن المختلطة على أنفسنا من أنفسنا، وهواة السلاح "غير المرخص" يطاردون الهواء بالرصاص في بلدات كانت قلاعًا وطنية. لكننا لم نلمس الإنشغال بهذه الجرائم كما شاهدنا الإنشغال بـ "مقال حليحل"؛ أليس القتل والإجرام مناقضًا لتعاليم الله؟
من أين سنأتي بالأمل، حين نبحث عن المنابر "الليبرالية" ونكتشف بعد حين، أنَّ الاعتبارات السياسية أقوى، ولا منابر حرة لدى شعب يطمح للحرية، فمقولة "الناس بدها هيك"، تتغلب دائمًا، وتنعكس الحال على أنفاسنا في ظواهر تبدو وكأنها حضارية، لكنَّ مفعولها مثل أفيون يتسلل إلى صمت الشعوب: مراهقون رهينة "نور"، وشباب ترك المخدرات وأدمن على الشبكة. ومن يدور في القرى العربية ليلاً يشعر بمنع التجول. لا، ليس الحكم العسكري، إنهّ "العقيد" أبو شهاب في "باب الحارة". لقد تحول الشارع إلى جمهور من المتلقين، يعتنقون قوت اليوم ويتخوفون من إطلالة الغد. وماذا مع الشعب العالق في الحصار؟ لا بأس، "الجزيرة" ترصد الحدث. وماذا مع التضامن مع الشعوب المستضعفة؟ لقد تضامنا وناقشنا في "الفيس بوك". هكذا، يخرج مليون متظاهر في لندن ضد احتلال العراق وبالكاد يجتمع خمسون على إحياء لذكرى نكبة فلسطين في فلسطين، وعذرًا للبشرية، فنحن منشغلون الآن بمقالة خُيّل لبعض "المجتهدين" أنَّها "ضد رمضان".
نعم، نحن ندافع عن حرية التعبير عن الرأي مهما كانت، وبكل إشكالياتها وتفاصيلها ونقاشاتها وجدالاتها. وكنا أوائل من تضامنوا وكتبوا عن محاكمة رئيس تحرير "صوت الحق والحرية" التابعة للحركة الاسلامية (ومنهم حليحل) ودافعنا عن مقالة نشر في الصحيفة، ووقفنا الى جانب "صوت الحق" حين صدر أمر بإغلاقها من قبل "الشاباك". كنا إلى جانب "فصل المقال" في مواجهة السلطات الشرسة، وجئنا من عائلات احتفظت في الماضي بصحيفة "الاتحاد" حين كانت ممنوعة. ونحن أنفسنا، ندافع اليوم عن حرية تعبير الكاتب من دون قيدٍ أو شرط، من دافع الرصيد، لا الموضة، وندحض التحريض على الكاتب والزميل من دافع القوة لا الضعف. والدفاع ليس شخصيًا عن حليحل، فهو مبدع وصاحب قلم لاذع، نتكل على موقفه ويعرف كيف يدافع عن نفسه عند المحكّ، لكن دفاعنا يندرج أيضًا ضمن المبدأ وحرق معايير الازدواجية المستفزة. ألا يكفي خوض غمار الصمت والإزدواجية؟ وكيف لنا أن نبني بيتًا من الكلمة، حين يرمي بنا المنبر إلى غير رجعه؟
ننظر إلى يومنا، ويطرق بابنا بيان آخر، البعض من قادة "الوسط العربي"، يحلون ضيوفًا على مائدة رئيس الدولة، شمعون بيرس، ليتناولوا "الإفطار". هل تذكرون بيرس؟ قانا؟ أين البيانات والإدانات إذًا؟ ليت النيران التي وجهت للمقال أن توجه إلى الحالمين بـ "العيش والملح" مع "رئيس الدولة".
حلمنا ذات يوم ببناء أفق في السماء ومقاومة المستحيل في عهد يطوّق الأحلام. حلمنا بواقع أفضل فيه الحضارة والرأي والجريدة والمقهى، لكنَّ اختلال التوظيفات فينا أبعدَنا عن ذلك الهدف المنشود، المبتعد أكثر من عام إلى عام. وتقلص الحلم، هل تعرفون إلى أي حدٍ تقلص؟ إلى حدٍ صرنا نحلم بأن يختلف إثنان على فكرة في أحد المقاهي، ويغادران الطاولة مبتسمين... وسالمين.
هناك تعليقان (2):
احلى اشي نكتب بكل مهرجان رمضان هاظا
حلو كثير يا فراس ونشالله يحطوك انت كمان رئيس تحرير ومنها للاكبر
فعلاً!
إرسال تعليق