اكتشفتُ شاعرًا جديدًا قبل أسبوع أو أكثر.
لا أقول إنه "جديد"، أي أنه بدأ بكتابة الشعر ونشره قبل أيام، بل أقول "جديدًا" لأنني أنا من لم يقرأ له من قبل، وهذه نقطة تُسجّل ضدي بالأساس. فوليد الشيخ، الشاعر الفلسطيني من رام الله، شاعر فذّ، مُتميّز، ولكنني أحبّ فيه بالأساس عدمَ خوفه من الشعر. وأعني بهذا، أنه لا يشعر بالنّقصِ أو بالدُونية في وجه مُتطلبات الشعر البلاغية والخطابية واللغوية، ولا يرضخ لإملاءات السياسة الفلسطينية اليومية، التي تُملي علينا من دون وعيٍ كيف يجب أن يكتب الفلسطينيون، في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ شعبنا: بجدية، بعنف، بقوة، بخيلاء، بما يساعد على الصّمود.
فوليد الشيخ يُعيد الرّونق إلى الكلمة الشعرية البسيطة، هائلة القوة والاختزال، الجميلة، التي لا تخلو من روح دعابة خلابة، آسرة، واثقة برونقها، فلا تجتهد ولا تتعب:
لي عادتان سرِّيتان يومياً
وعاداتٌ علنيّة
رغبات مدفونة في التّمثيل
بطولة مع مُنى زكي
أقبِّلها كُلّ خمسِ دقائقَ، دُونَ توظيفٍ دراميٍّ.
هي كتابة للمكان وللزمان، لتفاصيلهما اليومية "غير الجديرة" باهتمام شاعر، لما اختبأ في غياهب الذاكرة أو الأفكار اليومية العبثية والإنسانية، التي تضيع وسط ضوضاء الأسى والسياسة، فينتشلها وليد الشيخ من مخابئ الحياء ويجهر بها، مُخلفًا إصاباتٍ بالأجساد والحياء:
حقيبة ُ الكُحل والزّينةِ والأسرارِ الشهريّةِ
عَلى الكَتفِ
شَفتانِ غليظتان في دوّارِ المنارة
الأولادُ تَمنَّوا المَوتَ في شوارعِ تل أبيب
النساءُ شَتمْنَ حَظّهنَّ العاثرَ
وكُلَّما مَرّتْ،
يحترقُ الفلافلُ في الزّيتِ
وَيَنسى الحَلاّقونَ مِقصّاتِهم عَلى الرُّؤوسِ
وَتطيرُ مُخيَّلاتٌ فاسقة ٌ في شارعِ رُكَبْ.
دوّار المنارة الذي شَهدَ مئات الهجمات والاحتلالات والقتالات، وسقوط المحاربين ودموع الرجال والنساء، يحترق فيه الزيت حين تمرّ ذات الشفاه الغليظة، مُتأبطة حقيبتها المليئة بالأسرار. وليد الشيخ يعيد للفلسطيني الثقة بإنسانيته، بقدرته على البحث عن الجمال والفتنة والشهوة في ربوع الوطن المثقوبة بالرصاص. ولكنه، أيضًا، يُسجّل الرتابة والحياة في ظلّ الألم واليأس:
لا صدفة طيِّبة كي ألتقيَك، مثلاً
على بابِ سينما
لا سينما كي ألتقيك صدفة
ولا بنات في الحيّ
ليسهرَ الليلُ على الشّبابيك.
هي الوحشة الداكنة في جنبات فلسطين. أبيات شعرية كهذه أبلغ من موشحات سردية عن الحصار والقتل والجوع والحرمان. المكان غائب (لا سينما) والزمن غائب (لا صدفة) والإنسان غائب (لا بنات في الحيّ). ماذا تبقّى إذًا؟
تبقى القليل من الكَلبيّة السّاخرة تترصّد بالعدم القاتم المُوجع، والمثير للابتسام المَرَضيِّ (ربما) في حضرة قصيدة كهذه:
ليس عندي ما يستحقّ الذّكر
لا إيدز
ولا عرض من الحكومة لأكونَ وزيرَ ثقافة
أو بيئة
أو حكمٍ محليّ.
لا كرت إعاشةٍ من وكالةِ الغوث
ولا حزب شيوعيّ.
ليس عندي كالسيوم كفاية
لا غرين كارد
ولا حتّى فيزا لأمريكا
ولا دولة لأشكو لها من الأباتشي.
وهو الأمل أيضًا، والصمود، بمعانيه اليومية الصغيرة، بحسِّهِ المُرهف بتفاصيل البقاء. الصمود الذي تعجز عن كسره "المركفاه"، ليس بالبنادق ولا بالقنابل، بل بنشوة نساءٍ في الصباح، بَلَّ ريقهنّ ليلٌ طويلٌ:
عندما نصحُو على أصواتٍ مُبلّلة
لجاراتٍ فَرِحاتٍ بليلةِ الأمسِ
يَنشُرْنَ مَلابسهنَّ الخاصَّةَ
ويَتهامَسْنَ بألسنةٍ خَجُولةٍ
عَن عِظامِهنَّ التي نَخَرَتْها النّشوَةُ
تكونُ الميركافا في إِجازة.
وليد الشيخ شاعر جميل، فاتبعوا خطاه.
لي عادتان سرِّيتان يومياً
وعاداتٌ علنيّة
رغبات مدفونة في التّمثيل
بطولة مع مُنى زكي
أقبِّلها كُلّ خمسِ دقائقَ، دُونَ توظيفٍ دراميٍّ.
هي كتابة للمكان وللزمان، لتفاصيلهما اليومية "غير الجديرة" باهتمام شاعر، لما اختبأ في غياهب الذاكرة أو الأفكار اليومية العبثية والإنسانية، التي تضيع وسط ضوضاء الأسى والسياسة، فينتشلها وليد الشيخ من مخابئ الحياء ويجهر بها، مُخلفًا إصاباتٍ بالأجساد والحياء:
حقيبة ُ الكُحل والزّينةِ والأسرارِ الشهريّةِ
عَلى الكَتفِ
شَفتانِ غليظتان في دوّارِ المنارة
الأولادُ تَمنَّوا المَوتَ في شوارعِ تل أبيب
النساءُ شَتمْنَ حَظّهنَّ العاثرَ
وكُلَّما مَرّتْ،
يحترقُ الفلافلُ في الزّيتِ
وَيَنسى الحَلاّقونَ مِقصّاتِهم عَلى الرُّؤوسِ
وَتطيرُ مُخيَّلاتٌ فاسقة ٌ في شارعِ رُكَبْ.
دوّار المنارة الذي شَهدَ مئات الهجمات والاحتلالات والقتالات، وسقوط المحاربين ودموع الرجال والنساء، يحترق فيه الزيت حين تمرّ ذات الشفاه الغليظة، مُتأبطة حقيبتها المليئة بالأسرار. وليد الشيخ يعيد للفلسطيني الثقة بإنسانيته، بقدرته على البحث عن الجمال والفتنة والشهوة في ربوع الوطن المثقوبة بالرصاص. ولكنه، أيضًا، يُسجّل الرتابة والحياة في ظلّ الألم واليأس:
لا صدفة طيِّبة كي ألتقيَك، مثلاً
على بابِ سينما
لا سينما كي ألتقيك صدفة
ولا بنات في الحيّ
ليسهرَ الليلُ على الشّبابيك.
هي الوحشة الداكنة في جنبات فلسطين. أبيات شعرية كهذه أبلغ من موشحات سردية عن الحصار والقتل والجوع والحرمان. المكان غائب (لا سينما) والزمن غائب (لا صدفة) والإنسان غائب (لا بنات في الحيّ). ماذا تبقّى إذًا؟
تبقى القليل من الكَلبيّة السّاخرة تترصّد بالعدم القاتم المُوجع، والمثير للابتسام المَرَضيِّ (ربما) في حضرة قصيدة كهذه:
ليس عندي ما يستحقّ الذّكر
لا إيدز
ولا عرض من الحكومة لأكونَ وزيرَ ثقافة
أو بيئة
أو حكمٍ محليّ.
لا كرت إعاشةٍ من وكالةِ الغوث
ولا حزب شيوعيّ.
ليس عندي كالسيوم كفاية
لا غرين كارد
ولا حتّى فيزا لأمريكا
ولا دولة لأشكو لها من الأباتشي.
وهو الأمل أيضًا، والصمود، بمعانيه اليومية الصغيرة، بحسِّهِ المُرهف بتفاصيل البقاء. الصمود الذي تعجز عن كسره "المركفاه"، ليس بالبنادق ولا بالقنابل، بل بنشوة نساءٍ في الصباح، بَلَّ ريقهنّ ليلٌ طويلٌ:
عندما نصحُو على أصواتٍ مُبلّلة
لجاراتٍ فَرِحاتٍ بليلةِ الأمسِ
يَنشُرْنَ مَلابسهنَّ الخاصَّةَ
ويَتهامَسْنَ بألسنةٍ خَجُولةٍ
عَن عِظامِهنَّ التي نَخَرَتْها النّشوَةُ
تكونُ الميركافا في إِجازة.
وليد الشيخ شاعر جميل، فاتبعوا خطاه.
للمزيد من قصائد وليد الشيخ:
هناك تعليق واحد:
شاعر ممتاز بالفعل.
عظيم!
إرسال تعليق