السبت، 8 مايو 2010

موراكامي على الشاطئ


يُحوّلك هاروكي موراكامي إلى عجينة طيّعة في يده. حين تقرأ روايته "كافكا على الشاطئ" تنجرّ رويدًا رويدًا إلى العالم الذي يبنيه لك كقارئ، لتصبح مع الوقت أسير الغرائبية الكبيرة (الميتافيزيقية) بحيث تتحول هذه الغرائبية إلى معطى "طبيعي"، "سويّ"، لا يبعث على العجب، حتى حين تمطر الدنيا سمكًا وديدان علق.

وكما يحدث معك عند مشاهدة مطر الضفادع الكبيرة في فيلم "مغنوليا"، تتعجب من قدرة موراكامي على تسجيل الغرائب و"المعجزات" بجرة قلم، والأدهى أنه يقنعك بحدوثها بسلاسة ومن دون أية محاولة لإقناعك بصوابها أو واقعيتها. ويستطرد صاحب "الغابة النرويجية" في تناول قصة "كافكا"، الشاب ابن الخامسة عشرة، الذي قرر الفرار من بيته في طوكيو، ليخرج في رحلة غريبة تجعل تصنيف هذه الرواية في ضمن روايات "ساينس فيكشن" (العلم المتخيّل) تصنيفًا جديرًا، رغم محاولة الكاتب الكبيرة في "البقاء بقدميه على الأرض" من حيث معطيات العالم الذي يبنيه؛ فهو واقعي ولا شيء غريبًا فيه رغم أنه مليء بالغرابة والأعجوبية.

موراكامي كاتب كبير. إنه فنان السّرد بلا منازع. يبدأ الرواية في أطراف خيوط متناثرة، ممتدة السنوات والأمكنة، ليجمعها كلها في قصتين مركزيتين في نصف الرواية الأخير، لينتقل من الفتى كافكا إلى المُسنّ ناكاتا في متتالية مشهدية حريصة وثابتة: مشهد كافكا ومشهد لناكاتا، حيث ينجح من خلال هذه التقسيمة في رواية قصص الشخصيات الرئيسة والثانوية بعمق وقرب وحب كبير. حتى عندما تنضم إلى الرواية شخصية هوشينو سائق الشاحنة في الثلث الأخير من الرواية تشعر بأنه كان هناك منذ الصفحة الأولى.

لن أسهب في توصيف الشخصيات وقصصها وبعض الحبكة لأنّني لا أريد أن أفسد عليكم متعة القراءة. فعملية الاكتشاف البطيئة التي يدخل القارئ فيها شريكًا توازي متعة النص نفسه. إنها مؤامرة صغيرة ينجح الكاتب في زجّكم فيه، تصبحون شريكين فيها من حيث لا تدرون، تنتظرون الفصل القادم بشوق وتحاولون فك معالم ما سيحدث، من دون نجاح في الغالب.

هذه هي الرواية الأولى التي أقرأها لهذا الكتاب (معذرة على التأخير) وصدرت له روايات أخرى عديدة أهمها "جنوب الحدود، غرب الشمس" و"سبوتنيك الحبيبة" (الكتب الأربعة الواردة هنا صدرت بالعربية ويمكن شراؤها عبر الإنترنت من هنا). سأبحث عنه دائمًا وسأقرأه بمتعنٍ مرتين: مرة كقارئ يطلب المتعة اللذيذة المخدّرة في نصّ روائيّ مَتين ومُشوّق، ومرّة ككاتب يسعى ليدرس مفاتيح السّرد المتقنة في نصوص فنانين كبار.

كلمة
صدر هذا الكتاب في ضمن المشروع الضخم للترجمة، "كلمة" (مع المركز الثقافي العربي)، الذي انطلق قبل سنوات قليلة وهدفه ترجمة مئة كتاب (في المرحلة الأولى) من اللغات الأجنبية إلى العربية. وهي "مبادرة طموحة غير ربحية تموّل ترجمة أرقى المؤلفات والأعمال الأدبية الكلاسيكية والمعاصرة من مختلف اللغات إلى اللغة العربية ومن ثمّ طباعتها وتوزيعها"، كما جاء في الموقع الرسمي، حيث يمكن الاستزادة عن المبادرة والمشروع هناك.
بورك هذا المشروع وبورك القائمون عليه.

لمحة عن حياة هاروكي موراكامي
من مواليد كيوتو عام 1949، ويعيش حالياً قرب طوكيو. يُعتبر من أبرز كتّاب الرواية في اليابان والعالم، تُرجمت أعماله إلى 34 لغة، ونال عدة جوائز بينها جائزة يوميوري الأدبية وبوكرز للرواية. كل رواية لموراكامي هي حدث تتناوله الصفحات الثقافية في صحف العالم الكبرى. وينتظرها القراء بشغف، وتطبع ملايين النسخ بعدة لغات.


هناك 5 تعليقات:

ثناء Kofiia يقول...

قرأت الرواية قبل سنة تقريباً.
من أجمل الروايات التي قرأتها :) ، والغابة النروجية كذلك كانت جميلة.

ثلاثاء يقول...

موراكامي ممتع في عجائبيته، كأن يحدث زلزال في الخارج، وأنت تحتسي الشاي في بيتٍ من ورق، وكل شيء ينتهي بسكينة، بسكينة تصاعد البخار من الفنجان.

كان بمقدور موراكامي رفض استلام جائزة القدس في السنة الماضية في 15 شباط 2009 أثناء العدوان على غزة.
هل نعتب على السورياليين أو كتّاب الخيال؟

http://www.al-akhbar.com/ar/taxonomy/term/15610,16970

watan يقول...

اعتقد اني رأيت الكتاب في مكان ما
الان بعد قراءة مقالك سأضطر الى اعتصار ذاكرتي بحثا عنه ..
سأجده ، اقرأه ثم أخبرك برأيي

إيـاد معـلوف يقول...

أنهيت مؤخرا قراءة رائعته "كافكا على الشاطئ". هذا النص، هذه الحالة السردية المنوِّمة مغناطيسيًّا تخترقك لتجعلك جزءًا من عالم موراكامي العجائبي.
تُنهي الرواية وفي نفسك عطشُ إلى المزيد. تحسُّ برُعب الحالة التي يصفها الكاتب في أحيان، ولكنك تستمرّ في المضي نحو المجهول، كأنّك كافكا يتوغّل في الغابة بإرادته ورغمًا عنه في الوقت نفسه!

إيـاد معـلوف يقول...

أنهيت مؤخرا قراءة رائعته "كافكا على الشاطئ". هذا النص، هذه الحالة السردية المنوِّمة مغناطيسيًّا تخترقك لتجعلك جزءًا من عالم موراكامي العجائبي.
تُنهي الرواية وفي نفسك عطشُ إلى المزيد. تحسُّ برُعب الحالة التي يصفها الكاتب في أحيان، ولكنك تستمرّ في المضي نحو المجهول، كأنّك كافكا يتوغّل في الغابة بإرادته ورغمًا عنه في الوقت نفسه!