جاءت المفاجأة هذه السنة في مهرجان "مسرحيد" من وجهيْن جديديْن على المشهد المسرحي المحليّ: رشا جهشان والفتى محمد زيدان. الأولى أدّت عرض "أصوات من هنا" (ولا أقول مسرحية) وزيدان الذي أدّى دور أخ يغار من أخيه الأكبر، محبوب القرية وأمه.
قدمت جهشان عرضًا كان أبرز ما فيه الحركة والرقص، ولكنّ أجرأ ما فيه وعي جهشان لمقدراتها الجسدية، لتركيبة جسدها الأنثوي، وهي لم تقع في نفس الوقت في مطب الإغراء الرخيص. فتسخيرها لجسدها (الراقص، الحالم، المتحرك، الرافض) جاء مثاليًا في مقاطع كثيرة، ومن خلال 15 عامًا من مشاهداتي المسرحية لم يسبق أن رأيت ممثلا أو ممثلة فلسطينيا قدّم مثل هذا العرض الصاخب، المثير للّهفة والمثير للحرج والمثير للغيظ (عند البعض) في نفس الوقت. استطاعت جهشان أن "تشتري" الجمهور (الذي كان في أغلبه من طلاب الثانويات، وأهل المسرح يعرفون مدى صعوبة إرضاء مثل هذه الشريحة)، فهي لا تخافهم، تبحث عن نفسها بينهم، وهذا يشعل لها السيجارة وذاك يجعلها تلقي برأسها على كتفه باكية.
وإلى جانب هذه الفرجة المسرحية والأدائية الخلابة، برز بفظاظة وغلاظة ضعف النص الذي كان يصدر عنها من مرة إلى أخرى، فلا هو نجح في بناء ولو طرف قصة أو حكاية، ولا هو نجح في التباري مع تجريدية الرقص والحركة، فظلّ في النصف عالقا، خصوصًا أنّ كلّ جملة كانت تطلقها بالعربية تلحقها جملة ترجمة بالعبرية فورًا، وأحيانًا كان ينشأ حوار بينها وبين المترجم، مما كان يطرح سؤالا مُلحًا أكثر من مرة: هل هذه مونودراما حقا؟
بالمقابل، أحضر الفنان المسرحي المخضرم محمود قدح (من أفضل الممثلين في البلاد، برأيي وبرأي الكثيرين من أهل المسرح) نتاج تجربته كفنان اختار أن يتمركز في قريته وأن يعمل مع مواهبها المحلية في المركز البلدي الذي يديره. فمسرحية "إشي بحزن العادي"، التي كتبها وأخرجها قدح، أعطت الفرصة للفتى الناشئ محمد زيدان بأن يكشف عن موهبة فذة ورائعة، غير عادية ونادرة. فهذا الفتى ما زال طالبًا في المدرسة، إلا أنه استطاع أن يحمل الجمهور على كتفيه لخمسين دقيقة كاملة، روى فيها قصة غيرة من أخ لأخيه الأكبر، وهي القصة التي تناصّت مع قصة قابيل وهابيل في النهاية.
زيدان ممثل ناشئ سيكون له شأن، مرح، مليء بالطاقة والثقة، دراميّ عند الحاجة وأحيانا ميلودرامي، ولكنه في جميع حالاته مسرحي متميز وآسر. أحد القيمين على المهرجان قال لي "بيناتنا"، بعد أن سألته لماذا لم تدخل هذه المسرحية في المسابقة الرسمية: "أغرش، بدك يوخد الجائزة وتخرب الدنيا"؟ أعتقد أنّ الدنيا خربت لأنه لم يأخذ الجائزة.
وعوْد على ملاحظة سأكرّرها، مثل السنوات السابقة: لن يحقق "مسرحيد" المستوى المهني المرجوّ منه في الإطار القائم، بمجهود القيّمين عليه وخصوصًا جهد مديره الفني أسامة مصري الذي يبدي إخلاصًا منقطع النظير لهذا المهرجان وعلى هذا يجب أن يُشكر مرارًا. يجب خلق إطار عمل من أشهر طويلة تُفتح فيها النصوص المشاركة في ورشات مع مهنيين ومختصين لبلورتها مهنيًا ودراميًا، وهذا الضعف ميّز جميع الأعمال المشاركة، هذه السنة أيضًا.
قدمت جهشان عرضًا كان أبرز ما فيه الحركة والرقص، ولكنّ أجرأ ما فيه وعي جهشان لمقدراتها الجسدية، لتركيبة جسدها الأنثوي، وهي لم تقع في نفس الوقت في مطب الإغراء الرخيص. فتسخيرها لجسدها (الراقص، الحالم، المتحرك، الرافض) جاء مثاليًا في مقاطع كثيرة، ومن خلال 15 عامًا من مشاهداتي المسرحية لم يسبق أن رأيت ممثلا أو ممثلة فلسطينيا قدّم مثل هذا العرض الصاخب، المثير للّهفة والمثير للحرج والمثير للغيظ (عند البعض) في نفس الوقت. استطاعت جهشان أن "تشتري" الجمهور (الذي كان في أغلبه من طلاب الثانويات، وأهل المسرح يعرفون مدى صعوبة إرضاء مثل هذه الشريحة)، فهي لا تخافهم، تبحث عن نفسها بينهم، وهذا يشعل لها السيجارة وذاك يجعلها تلقي برأسها على كتفه باكية.
وإلى جانب هذه الفرجة المسرحية والأدائية الخلابة، برز بفظاظة وغلاظة ضعف النص الذي كان يصدر عنها من مرة إلى أخرى، فلا هو نجح في بناء ولو طرف قصة أو حكاية، ولا هو نجح في التباري مع تجريدية الرقص والحركة، فظلّ في النصف عالقا، خصوصًا أنّ كلّ جملة كانت تطلقها بالعربية تلحقها جملة ترجمة بالعبرية فورًا، وأحيانًا كان ينشأ حوار بينها وبين المترجم، مما كان يطرح سؤالا مُلحًا أكثر من مرة: هل هذه مونودراما حقا؟
بالمقابل، أحضر الفنان المسرحي المخضرم محمود قدح (من أفضل الممثلين في البلاد، برأيي وبرأي الكثيرين من أهل المسرح) نتاج تجربته كفنان اختار أن يتمركز في قريته وأن يعمل مع مواهبها المحلية في المركز البلدي الذي يديره. فمسرحية "إشي بحزن العادي"، التي كتبها وأخرجها قدح، أعطت الفرصة للفتى الناشئ محمد زيدان بأن يكشف عن موهبة فذة ورائعة، غير عادية ونادرة. فهذا الفتى ما زال طالبًا في المدرسة، إلا أنه استطاع أن يحمل الجمهور على كتفيه لخمسين دقيقة كاملة، روى فيها قصة غيرة من أخ لأخيه الأكبر، وهي القصة التي تناصّت مع قصة قابيل وهابيل في النهاية.
زيدان ممثل ناشئ سيكون له شأن، مرح، مليء بالطاقة والثقة، دراميّ عند الحاجة وأحيانا ميلودرامي، ولكنه في جميع حالاته مسرحي متميز وآسر. أحد القيمين على المهرجان قال لي "بيناتنا"، بعد أن سألته لماذا لم تدخل هذه المسرحية في المسابقة الرسمية: "أغرش، بدك يوخد الجائزة وتخرب الدنيا"؟ أعتقد أنّ الدنيا خربت لأنه لم يأخذ الجائزة.
وعوْد على ملاحظة سأكرّرها، مثل السنوات السابقة: لن يحقق "مسرحيد" المستوى المهني المرجوّ منه في الإطار القائم، بمجهود القيّمين عليه وخصوصًا جهد مديره الفني أسامة مصري الذي يبدي إخلاصًا منقطع النظير لهذا المهرجان وعلى هذا يجب أن يُشكر مرارًا. يجب خلق إطار عمل من أشهر طويلة تُفتح فيها النصوص المشاركة في ورشات مع مهنيين ومختصين لبلورتها مهنيًا ودراميًا، وهذا الضعف ميّز جميع الأعمال المشاركة، هذه السنة أيضًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق