الاثنين، 18 أغسطس 2014
الأربعاء، 23 يوليو 2014
I Would Like to Apologize to the World
Ala Hlehel | Translated by: Iyad Maalouf
I
would like to apologize to the world. To the western world, in particular. I would
like to apologize to Israel as well, for the fact that we are not photogenic
enough. Most of us are men with beards. Our women wear hijab and niqab; our
clothes are pale and have no fancy international brands. They are traditional
“Arab” clothes. You see them in every report broadcasted from one of our
streets. The beach of Gaza is neglected and miserable. It has neither an
amusement park nor summer brocades full of joyous colors. I would like to
apologize on behalf of myself and of all Palestinians, because we refuse to
succumb to the Israeli tyranny; because we force you to bear our images and
embittering news.
We
were playing on the beach. We were four children who grew tired of sitting home
and counting aircrafts and intelligent missiles that testify to the advancement
of the human civilization of which we are still lag behind. It is summer.
Summer loves the sea. Our sea is salty like any other sea. Those who are poetic
among us say it is salty because of our tears. My mother says that now. I hear
her from the inside of my little, improvised coffin. I cannot believe that we
did not finish our game at the beach, because I was about to win an
unprecedented victory over my brother at Hide and Seek.
We
ran fast. Children run fast because their bodies are light, and excitement
usually controls our movements. We are used to run fast in the narrow alleys of
Gaza. We are familiar with all of its curves and rough areas. We know by heart
all the worn-out houses accumulated over each other, even when they are
intermingled and look the same: their construction is not finished. Their
colors are like dry cement. Believe me. We are familiar with aesthetics. In
class, they taught us about Leonardo Da Vinci. But Gaza lacks cement and paint.
Even if they were available – poverty is much stronger.
I
would like to apologize to the scared child in Sdirot or Ashkelon. I want to
tell him that I did not mean to steal the lights of world that you love to turn
on for 24 hours a day. Believe me, scared child, I did not mean to do that. We
were only playing Hide and Seek. Before I died, I had wished to know what it
feels like to be in a safe concrete shelter; or what it feels like to sleep
under the cover of the Iron Dome. They say it works like magic. It is
breathtaking and feeds the imagination. Its rockets fly in the sky, as they
like with high accuracy. I wish I had a kite that I can control, so its thread
would not be stuck in the tree, and the kite would not be torn on a power pole.
I
would like to apologize for our insolence, we Palestinians, because we reject humiliating
truce agreements, and because we never learn. They bombard us with mortars,
with intelligent and heavy rockets. They kill 15 of us: adults and children in
order to assassinate one person – and we never repent. I know that we are
stubborn like a rock. I know that the rational enlightened mind that can
calculate the price of the new iPhone with convenient payments for 36 months in
less than 3 seconds, cannot totally understand us. We are difficult to
understand. We are not rational enough.
Allow
me to apologize to anyone for whom we have ruined the delight of the “rational”
and calculated attacks, and Israel’s ability to be humane while killing us. We
have ruined for you the delight of the “international solidarity” with Israel’s
pain. Here we are, once more as you see, insist on dying at the wrong time.
Even in death, we are illogical and impractical. Is there any enemy like us?
Cruel and coarse as such?
الاثنين، 21 أبريل 2014
وَيْنُن هالّليِّيكِة وَيْن؟
بعد تشجيع وترحيب من بعض الصديقات والأصدقاء، قمتُ قبل قليل بفتح صفحة خاصّة بي في الفيسبوك. مش بروفايل، بل صفحة، page. الفرق واضح، ويعرفه حتى مُتمرّسي الفيسبوك الجُدد من أمثالي. لكلّ ضارب طبل بروفايل، أمّا "البيدج" فللمتميزين تميّزًا.
ثم فجأةً، بدأت أشعر بأنني أديب هامّ مع صفحة. فجأة تجرّأتُ للمرة الأولى في
حياتي الزوجية، فقلتُ لأم الدشة الجالسة قبالتي على الكنبة بنبرة هامّة: جوعان. هكذا.
ببساطة. بعفوية. لم أتدرّب عليها، لم أتصل بأمّي لتشجّعني، لم أطلب من حماي أن يأتي
لشرب القهوة الليلة كي يكون حاضرًا على الحدث التاريخيّ. قلت لها: جوعان، لكنها لم
ترفع رأسها حتى عن اللابتوب. قلتُ في سرّي: مسكينة، تعبانة، عم تشتغل على التماس. وكأيّ
متمرس في الفيسبوك أردت اللجوء إلى الستاتوس وكتابة "جوعان" في ستاتوس الصفحة،
علّ أحدًا من الستة الذين صرخوا "لايك" حتى الآن يبادر إلى خطوة ما حقيقية
من أجل الكاتب الهامّ والجهبذ الذي صار عنده صفحة في الفيسبوك. ولكن الرفيقة مريم نبّهتني
بأنّ عليّ أن أحافظ على الصفحة مهنية وغير شخصية، وهكذا بلعت جوعي وغضبي وبدأت أحملق
في الشاشة وأنتظر اللايكات.
"قل لي كم لايكًا لديك أقل
لك من أنت"- هذه هي النتيجة التي توصلت إليها بعد مضي 47 دقيقة كاملة على فتح
الصفحة التاريخية لشخصي الكريم. وصل عدد "اللّيّيكة" إلى ثمانية. ثمانية
لَيِّيكة في 47 دقيقة، المعدل: لايك في كل 5.875 دقائق. هل هذا جيد؟ أذهب إلى غوغل
وأتكتك في سطر البحث: “like average in facebook”. لا شيء يُذكر. المشكلة أنّ شركة
"فيسبوك" لا تملك موقعًا على الشبكة. أقصد موقعًا مثل باقي البشر: صورة رئيسية،
كبّاسات للسيرة الذاتية والصور والنصوص وغيرها. لديهم بروفايل في فيسبوك!
أقوم إلى المطبخ، أبحث عن علبة سَردين. أعود إلى اللابتوب وأنا أمضغ سردينة
بالزيت محشوة بين شطيرتي خبز. يا إلهي! أصبحوا 10 ليِّيكة! واحدة أعرفها وأخرى لا أميّز
اسمها. هل عليّ التأهيل والترحيب بكلّ منضم(ة) جديد(ة)؟ هل هناك أصول وإتيكيت للصفحات؟
أسأل أم الدشة، فأنتبه إلى أنها قامت للنوم وأنا أتكتك وحدي في الصالة، فأشعر بألفة
مع الليّيكة العشرة الجُدد الذين تحوّلوا في لحظة إلى عائلتي المُوسَّعة. أهمّ لأكتب
ستاتوس مثيرًا للمشاعر، إلا أنّ سبابة مريم المرفوعة في وجهي تمنعني من ذلك. يجب أن
تكون الصفحة مهنية، لا شخصية. أشعل سيجارة. أعمل ريفرش... ما زالوا عشرة. مرت دقيقتان
منذ انضمام الليّيكتين الأخيرتين. كمان ريفرش. عشرة. ريفرش. عشرة. ريفرش. أحد عشر ليّيكًا. يا للسعادة. أحد عشر لايكًا على
المشهد الفيسبوكيّ. بدأت أشعر بدغدغة في أصابع يديّ لا شكّ أنها تشبه دغدغات
الأدباء الكبار عندما يسري الإلهام في عروقهم، فقرّرت على الفور البدء بكتابة قصة
قصيرة غير مسبوقة عن... عن ماذا؟ يجب أن أجد موضوعًا يليق بالأحد عشر.. لحظة، 16
لايكًا بالتمام والكمال. لم تمرّ أكثر من ساعة للآن. 16 لايكًا في 58 دقيقة.
المعدل الآن: 3.625. ما هذا؟ لقد تدنّى المعدّل. يجب أن أكتب قصة بشكل عاجل تزلزل
أركان الفيسبوك. لكن كتابة قصة بسرعة أمر شبه مستحيل. سأكتب "قصيدة"
إذًا. بأسلوب الهايكو. بضع سطور تبدو مترابطة مع أنها ليست كذلك، وتبدو
بسيطة عبقرية مع أنها ضحلة.
حسنًا، سأكتب... ممممم... "الرجل يجلس وحيدًا/ يكتب وحدته/ وحدته
تكتبه". جميل. ضحلة وسطحية بما يكفي لحصد أكبر عدد من اللايكات، مع أنها تبدو
عميقة وفلسفية. استمناء جميل وجذاب. يجب أن تكون "القصائد" في الفيسبوك
خفيفة وضحلة كي يفهمها أكبر عدد ممكن من الليّيكة. يجب البحث عن القاسم المشترك
الأدنى. 20 لايكًا. المعدل الآن: 62 دقيقة/ 20 = 3.1 ليّيك في الدقيقة. المعدل
ينخفض. كي يمكن رفعه؟ يجب حلّ المسألة رياضيًا. أصنع ساندويتشة أخرى من السردين
برغم "الحَرَقة" التي سببتها السندويشة الأولى في معدتي. إذا صار
المعدل... لحظة لحظة، هل حسبتها بشكل صحيح؟ كيف يمكن أن ينخفض المعدل مع زيادة
اللايكات بوتيرة أكبر من زيادة الدقائق؟ حسنًا، 4 وحدات في الرياضيات بعلامة 98
يجب أن تعينني هنا. عشرون لايكًا في 62 دقيقة. المعدل 3.1 في الدقيقة. ثمانية
ليّيكة في 47 دقيقة هذا يعني: 47/8 = 5.875. ممممم. ربما بالعكس؟.. 20/62= 0.3255
و8/47 = 0.17021. إذًا فوتيرة المعدل في ارتفاع حسب هذه الحسبة. سأتبنى هذه الحسبة
فهي تبعث على الاطمئنان أكثر.
أقرأ "القصيدة" ثانية. من المفضل أن يكون فيها رمز ما لمحمود
درويش، شاعر الفيسبوك بلا منازع. خبز أمي أو ما شابه. القطعان الجاهلة تحبّ أن
تقتبسه دليلا على ثقافتها، مع أنها لا تكاد تفقه شيئًا من شعره المتين. أعود إلى
القصيدة وأغيّرها: "الرجل يجلس وحيدًا/ يكتب خبز أمّه/ خبز أمّه يكتبه".
تمامًا! هكذا أفضل. وربما سأغيّر البيت الأخير هكذا: "الرجل يجلس وحيدًا/
يكتب خبز أمّه/ الزعتر يكتبه". يا إلهي كم أنا عبقريّ. هذه ستحصد مئات
اللايكات بلا شك. ويمكنني أن أضيف المزيد من الشاعرية على "القصيدة":
"الشاعر يجلس وحيدًا/ يكتب خبز أمّه/ الزعتر يكتبه". تقدّم خطير لا شكّ.
هكذا سأمتطي شهرة درويش بذكاء فاحش: فلست ناسخًا عنه بالتأكيد مع أنني استبحتُ
عرضه وطوله. لا يهمّ، من سيميّز هذه الدقائق من قطيع الليّيكة؟
أقرأ "القصيدة" بتمعّن ثم أفحص عدد اللايكات: 22 لايكًا. يجب أن
أتوقف عن حساب ارتفاع المعدل فهذا أمر ناتف للأعصاب والحواجب (مرة أخيرة وفقط:
22/67 = 0.328358). وفي لحظة مشرقة يخطر في بالي أنّ تقليد نزار قباني والسرقة من
وحيه (يسمونه "تناصّ" تخفيفًا لوجع الشعور بالذنب) أفضل بكثير وأسلم
وأغزر لايكيًّا. نزار يا نزار كيف نسيتك كل هذه السنين وأنت معلم الغزل الأول
وطريقي إلى اللايكات السهلة؟ لديّ دواوينه كلها في مكان ما في المكتبة. أدور
باحثًا عن دواوينه (الصغيرة القطع، المزركشة) في فوضى المكتبة الأزليّة ولكنني لا
أعثر عليها. أملّ من البحث. أستنفر ذاكرتي: "حبك يا عميقة العينين/ تطرف/
تصوف/ عبادة./ حبك مثل الموت والولادة/ صعب أن يُعاد مرتين." حسنًا، يجب أن
أكتب هايكو شبيهًا ولكن من دون سرقة بادية للعيان. مثلا: "الشاعر يناجي عميقة
العينين/ تصوّفه عبادة/ وحزنه لا يُعاد كالموت والولادة." جميل. أغلب الظنّ
أن قطيع الليّيكة لا يعرف النص الأصليّ. يجب أن أقرّر أيّ "قصيدة" أنشر.
ربما عليّ نشرهما الاثنتيْن، واحدة الليلة وأخرى غدًا صباحًا. بدلاً من "صباح
الخير" المبتذلة سأنشر "القصيدة" عن الشاعر عميق العينيْن. أبحث عن
سيجارة. أتذكّر أنّ العلبة فرغت قبل ساعتيْن. رئتاي تحكّانني. أخرج ماشيًا إلى
البقالة. الساعة نحو الحادية عشرة ليلا وأسرع الخطى قبل أن تغلق أبوابها. أشعر
بندم سحيق لأنني لم أنزل الآپ الخاصة بالفيسبوك على جهازي النقال (مبدأ!!). وكيف يمكنني أن أزيد لايكات
صفحتي الفتيّة بالمبادئ؟ لا توجد مبادئ في اللايكات. اللايكات تبيح المحظورات.
سأنزل الآپ فور عودتي للبيت.
يبتسم البائع حين أطلب علبتيْ سجائر "غولواز". أسأله: عندك
فيسبوك؟ يجيب بالنفي. أفقد أيّ اهتمام ببشريته التافهة. يجب أن أحصر اهتماماتي
ونفاقي في أصحاب حسابات الفيسبوك. الجيل الجديد، أيها الجيل الجميل، مستقبل البلد،
كلكم ليّيكة، أنتم أزهار المدائن، أحبكم لو تعرفون كم! (جملة جيدة لستاتوس). نعم،
سأكتب رواية للفتيان. هناك شحّ مزمن في أدب الفتيان وهذه فرصة ذهبية. سأحظى
بلايكات وشيرات لم يحلم بها أكبر مُقلّدي درويش وقباني ومستغانمي قاطبةً.
أضع سيجارة في فمي وقبل أن أشعلها أعمل ريفرش. 32 لايكًا. هلّلويا! أتفحص
أسماء الليلكة. غالبيتهم الساحقة من معارفي. أشعر بخطر الاستنفاد. يجب أن أخترق
الدوائر الضيّقة التي أعيش فيها. لماذا اخترت العيش في فقاعة الثقافة؟ أليس من
الأجدر أن أعيش في فقاعة الأراجيل والهشك بشك والفضائيات؟ أتندّم أشدّ الندم على
سني الوحدة والعزلة والقراءة والكتابة. سأبدأ غدًا تغييرًا جذريًا في حياتي. لا
بدّ من ذلك. سأنزل من العصر إلى قهوة العودة وأسحب الأنفاس حتى الليل. لن أقرأ
كتابًا أو جريدة أو أنشغل باللابتوب كما أفعل دائمًا، بل سأترصّد كل مجموعات
الشباب اللييكة التي تأتي لشدّ الأنفاس وسأناوشهم/ن. نعم، أملنا في الجيل الجديد
(ستاتوس آخر محتمل).
أسحب نفسًا من السيجارة ولكنني أنتبه إلى أنني لم أشعلها. الساعة الواحدة
قبل الفجر وعدد اللييكة صار 46 ليّيكًا. يجب أن أرحّب لهم، عيب. يجب التفكير في
ستاتوس جماهيري/ شعبوي/ نفاقيّ لا ذكاء فيه أو عمق أو أيّ معلومات ثقافية يمكن أن
تشكل تهديدًا على قطيع اللييكة. مممم... "أهلا وسهلا في صفحتي". جيد.
ليست بحاجة لمهارات قراءة خاصة، أو لمعلومات عامة أو لأيّ نوع من الوعي السياسيّ.
أكتب الستاتوس وقبل أن أضغط على النشر أتردّد قليلا. الشخص القديم في داخلي يصرخ
هلعًا. يجب أن أقتله، أن أعزله على الأقل. أصبّ كأسًا كبيرة من العرق وأضغط أنشر.
وهكذا يصبح انتظار اللايكات مزودوجًا: لايكات للصفحة ولايكات للستاتوس. وفي أقلّ
من دقيقة أحصد 6 لايكات على الستاتوس. كم جميل أنّ الناس متفضية أشغال لهذه
الدرجة. أهمّ بكتابة هذه الفكرة في التعقيب على الستاتوس لكن الإنسان الجديد فيّ
يمنعني. لا تُشعر اللييكة بالنفور والاستعلاء. بدلا من هذه الفكرة ذات المضمون
أكتب تعقيبًا يليق بهذه الساعة الذابلة. أكتب: "مساء الخير للجميع". بعد
دقيقتين أحصد 3 لايكات جديدة للصفحة و5 للستاتوس ولايكيْن للتعقيب. أشعر بأنني
أديب نادر وشهير. لم يتفاعل أحد معي من قبل بهذا النشاط. أنهي كأس العرق والسيجارة
الخامسة وأقرّر النوم. نعم، سأنام لأستيقظ والفضول يقتلني. سأقوم إلى مفاجأة جديدة
في حياتي، إلى إثارة لم أشعر بها من قبل.
أعدّ اللايكات في الفراش كي أغفو بسرعة: واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة... تقفز
اللايكات الصوفية فوق جدار المزرعة الخشبية بفرح وأستسلم للخدر الشعبيّ كلية. في
الصباح أتقلب في الفراش بمتعة خالصة وأهيئ نفسي لمعرفة عدد اللايكات على الصفحة
والستاتوس والتعقيب. لا بدّ أنها وصلت العشرات الآن. أنفض اللحاف عني وأقعد دفعة
في الفراش وأنظر إلى المرآة قبالتي. هكذا يكون مولد أديب شهير. أتغاضى عن شكلي
المتجعلك بأثر النوم، وأردّد كأيّ شاعر أو أديب معاصر معروف يرى سحنته البهيّة في
المرآة: بيغ لايك!
ملاحظات لا بدّ منها:
1) كُتبت هذه المادة بغالبيتها في تموز 2011، ومن وقتها وصل عدد اللايكات
لصفحتي في فيسبوك أكثر من 2000 لايك. يمكنكم أن تستنتجوا ما شئتم من الاستنتاجات-
فاللييكة دائمًا على حق.
2) تقع هذه المادة ضحيّة المفارقة الذاتية والتناقض الحتميّ بين نبذها
الخفيّ لثقافة اللايكات ورغبتها بحصد أكبر عدد منها من أجل "توصيل
الرسالة".
3) "أحبكم لو تعرفون كم".
4) إذا لم تنفع كلّ هذه الحيل فسألجأ إلى أقدم الحيل وأضمنها: "هل
يُعقل أن تمرّ على ستاتوس يصلي على الرسول الكريم ولا تضغط لايك؟"
5) إذا أتتك مذمّتي من ليِّيكٍ فهي الشهادة لي بأنني كاملُ. وإذا أتاني
لايكٌ منه فهي الشهادة بأنه كاملُ.
6) "تصبحون على خير" / "صباح الخير".
الجمعة، 29 نوفمبر 2013
عين وصابتك يمّا يا حبيبي!
ماذا يفعل المرء بنفسه بعد عملية جراحية؟ لا قدرة على
الخروج أو الأكل أو التحرّك بأكثر من لفتة لليسار ثم لفتة لليمين؛ سفر طويل من
الكنبة في الصالة إلى المطبخ لـ... لا شيء. مجرّد اطمئنان أنّ الثلاجة تعمل.
فالعملية تمنعني من الأكل الطبيعيّ وتشترط أيّ لقمة تدخل عبر حلقي بأن تكون طريّة
وطيّعة وباردة. نعم، باردة (هل جربتم حساء الخضار وهو مطحون وبارد؟). وكلّ هذا
يحدث وسط الاستعدادات الحثيثة (في غرفتي) لفتح فرع جديد من شبكة السوشي والآسيوي
في مجمع عكا التجاري، وتوعّدات عالية وملتهبة مني بفشّ غلي ومحنتي الأسبوع القادم
بأربعين ساعة من السوشي ومن حوله، لا تنقص ساعة.
ثلاثة أطباء نصحوني باستئصال اللوَز (بنات الذّنين)،
وأنا كأيّ شخص مهذب ومطيع خضعت للنصيحة. العملية نفسها لم تكن صعبة، والانتعاش بعد
البنج كان سهلا، بشهادة أخي عامر والطبيب الذي يعمل بالمخدرات كلّ النهار
(المُخدِّر). كان كلّ شيء يبشّر بالخير والممرضات يمتدحنَ هدوئي وقدرتي على
التحمل. لكنّ هذه العملية غدّارة لئيمة، خصوصًا للكبار في السنّ. فهي للأطفال
"شربة مي" و"شكّة إبرة" و"شربة سيجارة"، أمّا لمن
يحاشر على الأربعين بوقاحة فهي جهنم وبئس المصير. يتحوّل الحلق إلى ساحة وغى
مزروعة بالأسلاك الشائكة (القُطب) ومليئة بالقتلى والجثث على شكل طبقة سميكة من
البياض اللزج الكريه. إنها مؤامرة كونية بكلّ تشكّلاتها، هجوم كاسح على أكثر
الأجزاء حساسية في الجسم (بعد اللوزتين السفليتين) ومناطحة يومية سيزيفية لا تنتهي
مع أكثر المهام بساطة وسهولة على الأطلاق: ابتلاع الريق.
إنها من المناسبات التي تمتحن بها إيمانك. لا يجب أن
يكون بالضرورة إيمانًا بقدرة الاستغفار على انتشالك من "شاعوب" الشيطان
الإبليسيّ، بل الإيمان بقدرتك على تجاوز هذه الأميال الطويلة من دون أن تنهار.
أصعب المهمّات على الإطلاق هي الجفاء الذي يسود علاقتنا أنا والدشدوشة الشقية.
فظروفي الصحية تمنعني منذ يوم الأحد من التشقبع والتجحشن والزناخة والدلاعة طيلة
اليوم، حيث لا صراخ يعكّر صفو القيادة الحاكمة ولا طفشات سريعة في العصر على
الدراجة الهوائية لتناول الكريب الفرنسي الملتهب عند أمواج عكا العنيدة. إنها أقسى
ما يمكن للمرء أن يعيشه: الانسلاخ عن توأم الروح، عن الإنسانة التي تختزل كلّ ما
هو جميل في الحياة وما هو جدير بالحياة. كيف يمكن أن يعيش المرء في جفاء طويل
ومؤلم مع ما يربطه بالسعادة في هذه الدنيا؟
أمّا المهمة الأشقى والأكبر –ابتلاع الريق- فهي مدعاة
لسبّ كلّ الموشحات والأهازيج الطربية التي تتناغم وتتمايل على ريق الحبيب. فليذهب
للجحيم هذا الريق، وليأتِ صباح فخري ليبتلع بعضًا من الرّيق بعد عملية استئصال
اللوز! ثم هناك الجوع. لا أعني الآلام المبرحة في المعدة أو ما شابه. إنه فقر غذائيّ.
فحياتي محصورة منذ ستة أيام في تناول المياه الباردة والبوظة (الباردة) وأنواع
المَمعوسات على اختلافها. الحق الحق أقول لكم إنني تفاجأت بقدرتي على التماسك،
خصوصًا أنني من مشجّعي الطعام وروائحه وملذاته، لكنني –لسبب ما- قادر حتى الآن على
التماسك، وغالبًا ما أتعامل مع الطعام كمهمة قاسية يجب التخلص منها سريعًا للعودة
إلى محاولاتي المتكرّرة لابتلاع ريقي.
كم نحن سخيفون- نحن وأجسادنا الفانية (باستثناء جسد
مونيكا بلوتشي). يستأصلون منا عضوًا فتضحي الحياة جحيمًا لا يُطاق. تتحول الأفعال
العادية الساذجة (النوم لأكثر من ساعتين متواصلتين) إلى مهمة عسكرية لها مخططاتها
وعناصر تنفيذها والمعوّقات والأسلحة الضرورية ثم الهجوم. كم أشتاق لسيجارة أو
لباغيت محشوّ بالشاورما أو لهامبورغر يُصلي على النبي. أشتاق لها لا لأنني أشعر
برغبة لا تقاوم في تناول هذه الأمور، بل لأحسّ ثانية بعاديّتي، بابتذالي البشريّ
المُخدّر الذي يجعلني أشتاق إلى كومة من اللحم وبعض الجرعات النيكوتينية. نحن
نمارس "بشريتنا" و"إنسانيتنا" في الأفعال العادية المبتذلة.
نعم، العادي المبتذل هو الدليل الوحيد على إنسانيتنا المفقودة. ما تبقى من
"الضمير" و"الأخلاقيات" والجمل الكبيرة لا تصلح إلا لستاتوهات
استمنائية في "فيبسوك"، نكتبها عادة كنصّ "طوباويّ" يخفي
انعدام إنسانيتنا. نعم، ونسيت أن أقول لكم إنّ استئصال اللوز يزيد من منسوب الحقد
في نفوسكم ومن رغبتكم في قسم رقبة كلّ من يتنفس في محيط 10 كيلومترات منكم، وشتم
أمه وأبيه وخالاته وأعمامه.
أستلقي ممدّدًا مثل جثة وأفكر في برافر. كنتُ أرغب جدًا
بالمشاركة هذه المرة ولكنني سأرسل "السّيكرابور" إلى مقرّ قيادة الثورة
لعلهم يصفحون عني. "أنا أكره برافر" أتمتم وأنا أبلع ريقي بصعوبة باحثا
عن علبة الدواء المُسكّن للأوجاع. ثم أبتسم: أفضل حلّ يمكن أن نبادر له لمنع برافر
من المرور هو استئصال لُوزه، من فوق ومن تحت. تصوّروا: لن يستطيع برافر ابتلاع
ريقه فكيف سيشرّد النقب وأهله؟
السبت، 26 أكتوبر 2013
جيفارا مات وهو ينتظر أصوات الجنود
لقد وصلت المؤامرة الكونية إلى الناصرة. كيف لا،
وبطانة رئيس البلدية تشعر بأنها لا تقل أهمية عن قصور الخلفاء والقياصرة. الجميع يتآمر
علينا، والمؤامرة تمتدّ من حنين زعبي إلى مأمور الانتخابات مرورًا بعوني بنا ولا بدّ
أنّ للسي آي إيه ضلعًا في الأمر. أعتقد أنّ جبهة الناصرة هي مثال نادر جدًا في العالم
على نخبة حاكمة تبكي ليلَ نهارَ من مؤامرة تُحاك ضدّها ومن مؤامرات تزوير وتلاعب بالنتائج.
عادة الضعفاء ومن هم خارج النخبة الحاكمة هم الذين يترنّمون بهذه الترانيم.
أتذكر في الذكرى السنوية الأولى لرحيل توفيق زياد
أنّ رئيس تحرير "الاتحاد" آنذاك، نظير مجلي، فرض في صحيفة شيوعية علمانية،
مانشيت يستحضر الأرواح: "عُد يا أبو الأمين، نحن بانتظارك!". هذا المانشيت
يصلح أكثر من غيره لواقع 2013. فجرايسي لم يستطع ملء الفراغ الكبير الذي خلّفه زيّاد،
واختار تجاهل التغيرات الكبيرة التي حلت بالناصرة في العشرين سنة الأخيرة. جرايسي كان
يحبّ التحدث في خطاباته عن "المدينة والأطراف"، وها هي الأطراف تصبح
"المدينة"، أي تصبح البلدية والنخب الجديدة، وتطالب بهذا الحق. فهمُ التاريخ
البشريّ في غالبيته الساحقة يعتمد على حركة البضائع والناس؛ وهي معادلة جيدة أيضًا
في سياق فهم ما حدث في الناصرة: تغيير ديمغرافيّ لصالح مخيمات اللاجئين حول الناصرة
(الأطراف) وتضعضع المكانة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لنخبة القرية الكبيرة التي
تلتف حولها مخيمات اللاجئين. حركة بضائع وناس كلاسيكية.
وماذا فعلت جبهة الناصرة؟.. تشبثت بشخص متعب يريد
الاعتزال (كما أعلن)، وقررت كأيّ نخبة برجوازية رفض ترشيح علي سلام للرئاسة بدلا من
جرايسي. لماذا؟ لأنه ليس من النخبة القديمة الكلاسيكية التي انبنت حول جرايسي. إنه
من "الأطراف"، وقد كان مفيدًا للجبهة لجلب ما تيسر من أصوات المسلمين في
المعركة الضارية ضد المدّ الإسلامويّ الذي اجتاح الناصرة. الآن يقولون إنه بلطجيّ وهناك
من يقول إنه "أزعر"، ولا يهمني في هذا السياق إلا التساؤل البسيط: وهل كان
كذلك وهو نائب رئيس بلدية وأحد "بلدوزرات" الجبهة الحمراء؟ هذا هو السؤال
المحرج الأول الذي يلتصق بالجبهة في الناصرة، وبالجبهة القطرية وقيادتها.
قبل يومين أو ثلاثة جلست في زفاف نصراوي قبالة رجل
نصراوي وامرأته من مصوتي جرايسي التاريخيين، وكانت حسرتهما صادقة لا غبار عليها:
"راحت البلد". أعتقد أنهما محقان في شعورهما، ولكن جملته كانت ناقصة. يجب
أن تكون "راحت البلد تبعتنا المطوّبة على اسمنا".
أمّا السؤال المحرج الثاني فهو الإصرار على عدّ
أصوات الجنود النصراويين الذين يخدمون في جيش الاحتلال الإسرائيليّ. برغم أنّ المواقع
الإخبارية "شطبت" الأسماء الصريحة الواردة في القائمة التي قدمتها جبهة الناصرة
في التماسها إلى المحكمة، إلا أنّ القائمة الصريحة تجول أطراف الحيّز الفرتواليّ منذ
أمس. غالبيتهم من العائلات الجبهوية العريقة في الناصرة ومن مركز صنع القرار الجبهويّ.
إنه سقوط مُدوٍّ ومحزن، أكثر بكثير من خسارة البلدية. عضو البلدية الجديدة عن الجبهة،
خلود بدوي، كتبت في صفحتها على الفيسبوك: البلد أهم من البلدية. بروفسور مروان دويري
(من مؤسسي جبهة الناصرة)، دعا إلى حساب نفس داخلي. من يخاف على مصلحة البلد يضحّي بمناورات
بائسة ستلطخه وتلطخ نهجه للأبد. ألم يعد أحد يستمع لـ "صوت الشعب"؟
أين الطغمة الحاكمة التي أكلها الصدأ وروائح العفن
من هذا الكلام؟ تلتمسون المحكمة الإسرائيلية من أجل "النضال" على أصوات تحمل
رائحة البارود من بندقية الإم 16؟ ماذا سيقول أحباؤكم في فتح والسلطة الفلسطينية عن
هذا؟ إنه سقوط مجلجل لقيادة الجبهة القطرية ودعمها لهذه الخطوة مدعاة لاستقالة وتنحي
هذه القيادة.
ستقولون إنّ هؤلاء الجنود أبناء الناصرة ويحق لهم
المشاركة في انتخاب الرئيس؟ حسنا. وماذا ستقولون لخادمي الخدمة المدنية الإسرائيلية
حين يطرقون أبوابكم؟ وللمحامين العرب الذي يختارون العمل في نيابة الدولة والمشاركة
في هدم بيوت وعائلات عربية في القدس الشرقية المحتلة والضفة الغربية؟ وماذا ستقولون
لمقاولي أصوات شاس والليكود وليبرمان؟ ألا تفهمون حجم الضرر الذي ارتكبتموه في مثل
هذه الخطوة الانتحارية؟ إذا كان الأمر بالنسبة لكم الآن "عليّ وعلى أعدائي"
فرجاء لا تفجروا الباص الذي نستقله جميعًا، يمكنكم ببساطة أن تنتحروا أيديولوجيا في
بيوتكم.
وما يثير الحزن أكثر أنّ جبهة الناصرة تستكلب على
أصوات الجنود، ممّا يجعل المرء يتساءل حقًا: هل أنتم متأكدون حقًا من أنّها أصوات لكم
عن بكرة أبيهم؟ لماذا؟ هل بسبب انتمائهم الطائفي الواضح؟ أم انتماءاتهم العائلية الواضحة؟
هل هم من "حجارة الوادي"؟ سيقول الخبثاء الآن تعقيبًا على حملة الجبهة الانتخابية:
"الناصرة- مش أيّ جندي" لكن المرارة والقرف أكبر الآن من أيّ خلاف أو شماتة.
ماذا تفعلون بالناصرة؟ كيف قتلتم العاصمة الحقيقية والفعلية في سنوات السبعين والثمانين،
وكيف تحوّلت إلى مدينة حمراء لا شيء فيها أحمر إلا ربطات عنق الطغمة الحاكمة؟
في اللحظة التي أتى فيها جبرائيل نداف لتهنئة علي
سلام بفوزه (المؤقت)، وهي تهنئة مشبوهة ومرفوضة ويجب رفضها من علي سلام قبل غيره، قفز
جبهويو الناصرة ونشروا الصورة على الملأ. فلنتخيل الآن سيناريو خياليًا بعض الشيء
(أو واقعيًا بعض الشيء): رامز جرايسي سيفوز في نهاية الأمر بفارق 7 أصوات، ثم سيأتي
إليه ممثلو جيش الاحتلال الإسرائيلي في الجبهة، بأسلحتهم المرخّصة، وسيطلبون منه تصحيحًا
إيجابيًا للجنود المُسرّحين. ألن تكون هذه أكبر طعنة لتاريخ المناضل المرحوم توفيق
زياد؟
من حقّ "الأطراف" أن تتزعّم وأن تقلب
ظهر المجنّ. أهلا بمصوّتي الفاخورة وبير الأمير. هذا يومكم المشرق، لا تضوعوا الفرصة
وابدأوا من حيث فشل من سبقكم. إنها بلدكم الآن بكلّ ما تعنيه الكلمة. أنتم وجه الناصرة
اليوم، كما كان غيركم وجهها قبل 20 و30 سنة. الوجوه تتغير والحُكام يتغيّرون. لا تخافوا
من بكائيات النخب القديمة. هذا نواح على الوظائف والميزانيات ودوائر صنع القرار وعنجهية
حبّ البروز والتسلط. إمتحانكم في ألا تكونوا مثلهم.
الثلاثاء، 22 أكتوبر 2013
الوقائع الغريبة في مخطط التصويت للانتخابات المحلية
مثل أيّ مخطط يقوم به شخص هاوٍ مثلي، نسيتُ القلم. وقفتُ
أمام غرفة الصفّ في مدرسة "هَتُومِر" في عكا أنتظر دوري كي أدلي بصوتي
في الانتخابات المحلية للعضوية والرئاسة، مع أنني من ناحية المبدأ من الدّاعين إلى
إلغاء الانتخابات المحلية في جميع البلاد وتعيين تقنوكراطيين كموظفين لإدارة شؤون
القمامة وتزفيت الشوارع.
كان المخطط بسيطًا: أنا أعرف لمن سأدلي بصوتي للعضوية
(لن أخبركم، من أجل الغموض والتشويق) ولكنني لن أصوّت لأيٍّ من المرشّحين للرئاسة.
ويتمثل المخطط الجهنميّ باستلال ورقة صفراء فارغة وكتابة الاسم الذي اخترته لرئاسة
بلدية عكا. هذا الاسم ليس من بين الأسماء المرشّحة وبالتالي من المتوقع أن يحمل
على الضحك وربما التندّر، وسأكون شاكرًا ومُمتنًا إذا حظيتْ هذه الورقة بخط يدي بـ
15 دقيقة مجد ورواج في ديوانة الفيسبوك.
هل رأيتم كم أنني هاوٍ في المخططات؟ لم يخطر في بالي أن
أصوّر الورقة بنفسي بجهاز الجالاكسي 4 إس الجهنميّ. يا للحسرة. كيف يمكن أن ينسى
المرء الفيسبوك في أيّ مخطط يديره في أيامنا هذه؟
ولكنني نسيتُ القلم أيضًا. قلم أسود ثخين بعض الشيء،
اشتريته من متحف الفن المعاصر في أمستردام، وأحبّ شكل الخط الأسود الممتلئ الذي
يُخلفه على الورق. وبسبب الانشغال في تحضير زوّادة الدُشّة وربط شعرها بما يليق
بمقامها، نسيتُ القلم على الطاولة. لم يبقَ أمامي إلا شخص واحد قبل الدخول إلى
قاعة التصويت. لم أفهم لماذا يوجد طابور طويل للتصويت الساعة 8:12 صباحًا. وبين
هذا وذاك، رأيت أنّ هناك مُنظمًا يقف في الباب فسألته عن قلم، فخذلني.
كنتُ على وشك الانسحاب من الطابور والعودة إلى البيت
لجلب القلم الأمسترداميّ لكنّ معدتي قرصتني أول قرصاتها الصباحيّة، وشعرتُ ببداية
جوع خفيف، فانثنيتُ. لو كنتُ محاربًا في فيلم هوليووديّ لقتلت على الفور فأرًا
كبيرًا وشويته والتهمته. لكنني مجرّد أب أوصل ابنته إلى الروضة، وهو يحاول التصويت
بسرعة والعودة إلى البيت لتناول ساندويش لبنة مع "زر بندورة"،
والاستمرار في الترجمات البغيضة اليومية.
دخلت غرفة التصويت وأعطيتهم هويتي الزرقاء الكالحة،
شطبوا اسمي من القائمة بعد أن استصعبتِ الموظفة التي تشطب لفظه كما يجب. ثم طلبتُ
منها قلمًا. نظر الثلاثة إليّ باستفهام، فقلت لهم بصراحة متناهية: أريد تسجيل اسم
مرشح للرئاسة على ورقة فارغة. حاول أحدهم (يبدو من علوّ صوته أنه رئيس الصندوق) أن
يُفهمني أنّ هذا سيؤدّي إلى إلغاء صوتي، فابتسمتُ معربًا عن ثقتي بأنّ هذا هدفي أصلاً.
من وراء الستار تمعّنتُ بالأوراق، واستللتُ ورقة العضوية
البيضاء، ثم استللتُ ورقة صفراء فارغة وكتبت عليها اسم مرشحي المفضل للرئاسة
بالعربية والعبرية. رميتُ المغلفيْن في الصندوق وما أن أخذتُ بطاقة الهوية من أمير
الصندوق حتى هرعوا جميعهم (أعضاء الصندوق والمراقبين) وتحرجموا عند الستار وبدؤوا
بفحص أوراق التصويت. ضحكتُ رغمًا عني. قلتُ لملك الصندوق: هل هذا بسببي؟ لا تخافوا
لم أخربط أيّ أوراق.
وبلهجة اعتذارية قال مؤكدًا إنّ هذا روتين يقومون به كلّ
نصف ساعة من أجل التأكّد من سلامة ترتيب الأوراق وعدم خربطتها كما يفعل المخربطون.
قررتُ تصديقه والتنازل عن مكانة المشتبه به المغرية نوعًا ما في هذا السياق.
في الخارج، فككتُ رباط الدراجة الهوائية، وعندما
اعتليتها كانت ابتسامتي أعرض من الشارع المزفّت للتوّ، وأنا أحاول تخيل ردّ فعل خليفة
الصندوق أثناء فرز الأصوات، وهو يستلّ الورقة الصفراء التي كتبتُ عليها بالعربية
والعبرية: أنطون تشيخوف.
السبت، 14 سبتمبر 2013
المستنقعات الأدبية
ثمة تناقض جوهريّ في ما يُسمى "المهرجانات الأدبية". هذا الزحام
والضجة يتناقضان تمامًا مع فعل الكتابة. يُخرجونك من الصومعة الطوعية ويتوقعون منك
أن تتحدث وتتفاعل مع الجماهير 24/7. وهكذا، بعد 24 ساعة تجد نفسك في حالة دفاع
شرسة عن لحظات الهدوء والوحدة. ولكن هيهات.
الجوّ الذي يسود أروقة المهرجانات وكواليسها أنك يجب أن تكون في محادثة ما
مع أحد ما طيلة الوقت. كأنّ الجلوس إلى طاولة وكأس وبعض المُسكّنات، وحدك، هو فشل
للمنظمين. ثم أنّهم دفعوا الشيء الفلاني للتذكرة والفندق وبعض الدراهم لتشرب وتأكل
وتشتري الملابس للدشدوشة، فهل يصحّ (أدبيًا وأخلاقيًا) أن تكافئهم بأن تكون على
طبيعتك؟
ثم أنّ الطقوس في المهرجانات مربكة. كيف يمكن للمرء أن يتذكر أكثر من عشرين
اسمًا (هولنديًا) في اليوم؟ وهذه الورطة تدفعك لتجنب الناس أكثر وأكثر منعًا
للإحراج بأنك لا تذكر أسماءهم. هذه طامة حقيقية، تمامًا مثل التجوال في مدينة
جديدة طيلة النهار وأنت نسيت مرهم الصماط.
والجمهور، لماذا يأتون؟ يستمعون إلى كاتب أجنبيّ لم يسمعوا به من قبل. هل هو
الملل أم أنهم حقًا يحبون الأدب إلى هذا الحد؟ هذه معضلة جديرة بالتأمل، خصوصًا في
زمننا الراهن، حيث تراجعت نجومية الأدباء لحساب جستين بيبر وشاكيرا. تُعجب بهؤلاء
الناس الذين يأتون (رغم المطر) ويجلسون للاستماع إلى سؤالات وإجابات وبعض النصوص.
تريد أن تفهمهم، لكنك تخجل من سؤالهم ببساطة: ماذا تفعلون هنا؟
أما الكواليس فهي كالرمال المتحركة. صداقت تنشأ وعداوات وحساسيات،
ومستنقعات الإيجو التي نغرق فيها لحظة بعد لحظة تُصعّب من عملية التنفس، ناهيك
طبعًا بالتحدث والتفاعل. لا أفهم الأدباء الذين يتقنون الكلام والصراخ والتحمس
لفكرة ما لثلاث ساعات. ثم يا أخي، لا يهم أبدًا إذا كان يوسف زيدان أهم من صنع
الله ابراهيم أم لا. بالتأكيد ليس لدرجة كبّ كأس الفودكا أثناء التشبير. وما يُنبت
البقع الحمراء على جلدي حقًا هذه القناعة لدى الجميع بأنّ القصيدة/ الديوان/
الرواية التي يعملون عليها الآن تثير فضول الجميع لدرجة البحث عن أوراق معك
بالحقيبة (بالصدفة) والبدء بالقراءة والتلحيس الذاتيّ المريب.
وبعد أن تتضح معالم الشلة، ومن دخل نادي الأدباء الكوليين ومن اكتفى بمنزلة
"الضائع"، تتحوّل الكواليس إلى صراع ديكة بين الرجال على الأديبتين
الجميلتين. هذا يزيد من منسوب التنافس التافه واستعراض العضلات والريش ومصارعة
الديكة التي تخلف أضرارًا في الممتلكات والأرواح. كلّ هذه الانشغالات التي تتعبك
وتودّ لو تجد نفسك بلحظة في غرفتك البيضاء الصغيرة لتقرأ ستاتوسات الشباب الثائر
قبل النوم.
من جهة أخرى، لا شيء يضاهي المهرجانات للتعرّف عن كثب على من تقرأ لهم
وتقرأ عنهم من بعيد، وغالبًا ما تتحطم الصورة الجميلة على كاسر الأمواج الفاضح،
الذي يعيدك إلى رشدك ويؤكد مرة تلو الأخرى تلك المقولة العبقرية: الإعجاب عكس
النظر، كلما اقتربت من الإنسان صار أصغر.
مع ذلك، لا تستطيع رفض الدعوات. إنها الفرص النادرة للتعرف على الناشرين
والصحفيين والمنظمين أصحاب القرارات. مع أنّ هذا لا يعني أبدًا أنك
كتبت/تكتب/ستكتب أدبًا جيدًا. لا علاقة بين المهرجانات والأدب الجيد، بالضرورة.
أصحاب القرار الوحيدون هم القارئات والقراء، وهم من يقرر فعلا إذا كنت تستأهل هذه
الاحتفالية أم لا. أما ما تبقى فهو سياسات على سياسات، وبعض دعوات الوالدة.
من حسن الحظ أنّ المدن الأوروبية عمومًا جميلة وتكسب على الأقل التعرف على
كواليسها وحياتها. تنكشف على لغة جديدة وثقافة جديدة وأناس جدد. وتنسى للحظة
المستنقع الذي خرجت منه والذي يفرض عليك عنوة الضلوع في مناوشاته الموحلة. هنا،
على الأقل، الوحل ليس وحلك، وهنيئًا لك بهذا.
أمستردام جميلة والحشيش فيها جيد فعلا. ولكن هذا لمقالة قادمة.
الاثنين، 9 سبتمبر 2013
كمّامات، اللي على بالو كمّامات!
وهكذا، في صبيحة
هذا اليوم المبكرة، وجدتُ نفسي واقفًا أمام حارس أمنيّ يوزّع الأرقام للطابور الذي
سينعقد "بعد قليل" من أجل توزيع الكمامات على من يطلبها، تخوفًا من أن
يقوم بشار الأسد بإلقاء القنابل الكيماوية على رؤوس مَن في دولة اليهود، إذا قام
براك أوباما بإلقاء القنابل على رؤوس من يقاتلون من أجل "الله، سوريا، بشار"
(ليس بالضرورة بهذا الترتيب). إنها ورطة أخت شلن، أن تقف في الطابور لتتزوّد
بمعدات وقائية توفرها لك (كمواطن) الجبهة الداخلية الإسرائيلية. مع ذلك، الورطة
ليست هنا. الورطة هي التفكير في الأطفال الذين قد (قد) يتعرّضون للكيماوي ولا تجد
ما تحميهم به لأنك رفضتَ أن تكون جزءًا من هذه المهزلة. ولكن بعد أن شاركتَ في
مهازل لا نهائية في هذا الوطن الغريب، تتنازل عن كبريائك العربيدة وتذهب لتقضي
يومًا كاملاً متأمّلاً عجائب دولة إسرائيل.
من الأمور المشرّفة
التي تبسط وترفع الرأس أنّ اليهود أيضًا يتأخّرون وتخرب برامجهم "لأسباب
تقنية". شعب الهايتك يبدأ توزيع الكمامات في الساعة 11:45 بدلاً من التاسعة،
ونحن نتحدّث عن مقرّ التوزيع في "كنيون عزريئيلي" في حيفا، الواقع بجانب
منطقة "مَتام"، المجمّع الهايتكي الأكبر والأكثر تقدمًا. يا شماتة أبْله
زازا. لقد عوّضتني هذه اللحظة عن عشرات المرّات التي لم يعمل فيها الميكروفون في
أمسياتنا الثقافية؛ فإمّا أن ترافق الأمسية كلها "وشّة" غريبة مصدرها
أنّ السلك الطويل فيه 14 ثقبًا كان أولها في حرب 67، وإما أن يكون حامل الميكروفون
من الصنف الحرّانيّ الانهزاميّ الذي لا يعرف إلا "بوزة" طأطأة الرأس.
ناهيك طبعًا بالمشاكل التقنية الأخرى كأن لا يعمل المُسقِط (Projector) أو أن يعمل شريط الفيديو ولكن بلا صوت، أو أن يُنادى
على اسم متحدّث(ة) في الندوة ويتضح أنه(ها) قرّر التغيب في آخر لحظة "لسبب
طارئ". وهكذا...
وبعد الشماتة، لا
بدّ من الاستدراك والقول إننا ما زلنا، نحن العرب الصامدين في وطننا الذي لا وطن
لنا سواه (سوى فنادق أريحا وشرم الشيخ)، نحمل الرقم القياسيّ في نسيان كلّ الأشياء
الهامة التي يجب أن نحضّرها في المعاملات الرسمية: فأكثر من واحد(ة) نسي بطاقة
الهوية! يا أخي، ألا تعرف أنّ هذه الدولة تطلب منك بطاقة هوية إذا أردت التبوّل في
ماكدونالدز، ولا تجلب معك بطاقة هوية لأخذ كمّامة؟ شخص جلب ورقة بيضاء مثلثة صغيرة
واضح أنه مزعها من ورقة بيضاء في دفتر المدرسة التابع لابنه، ويريد أن يأخذ كمامة
لزوجته. "لا ينفع" يقول ابن عمنا الحازم، "هذه تعليمات من الجيش.
يجب إبراز بطاقة الهوية". الشاب العربي لا يتنازل بل يجنّد ادعاءات وتسويغات
قاتلة: "יעני אתה רוצה שאני אחזור מחר ולעמוד בתור עוד-פעם?" (يعني هل تريدني أن أعود
غدًا وأن أقف في الطابور مرة أخرى؟). للمشاهد الصهيونيّ يبدو هذا الادّعاء واهيًا
وضعيفًا، لكنه يعبّر عن أكبر عذابات الإنسان العربيّ التي تخيفه وتقلقه وترعبه
أكثر من الكيماويّ والبيولوجيّ وبنادق السّيسي: الوقوف في الطابور.
الوقوف في
الطابور يناقض بشكل أساسيّ وجذريّ ووراثيّ مفهوم العربيّ لموقعه في المجتمع
والحيّز العام. فالعربيّ بدويّ مغامر، يركب ظهر المجنّ ولا يقدر على تضييع وقته في
احترام دور الآخرين أو قبول المهانة في أنه غير مهم بما يكفي كي يفسحوا له المجال
حين يُطلّ بطلعته البهية. العربيّ إنسان سريع و"حامي"، كيف يمكن إرغامه
على الوقوف لساعة أو أكثر لأخذ غرض ما. من سيأخذ باله من الدورة القمرية؟ المغيظ
في الأمر حقًا أنّ غالبية الذين يقفون في الطابور لا شيء آخر ينتظرهم بالضرورة،
أهمّ من التزوّد بهذه الحاجة الضرورية. اللهم إلا الأرغيلة (في البيت أو العمل،
فالأمر سيّان). إنها حالة اغتراب جذريّة بين (معظم) العرب وبين (معظم) اليهود.
الطابور هو لغيرنا، أمّا نحن فأصحاب العزّ والذين خيلهم تدوس المنايا. لذلك، حين
يكون نصف المنتظرين تقريبًا من العرب في طابور عموميّ، يحلو للمرء أن يتتبع
الأعذار والحيل والابتكارات التي يبتدعها الكثيرون. سأتركز في واحدة وأعدكم
بالمزيد حين يوزّعون بنادق الإم سكستين.
إنّ أكثر ما يسعد
العربيّ القحطانيّ في دولة اليهود، هو وصوله إلى مكان يُشرف عليه منظمون يهود
صارمون، وليكتشف (هذا العربيّ القحطانيّ) أنّ ثمة عربيًا في طاقم المنظّمين. بلحظة
واحدة يتحوّل المنظم العربيّ (الذي لا يَمُون على شيء عمومًا) إلى ثالث القبلتيْن
وحائط المبكى وتمثال العظرا الذي ينزّ كوكاكولا في قرية رميش. ترى المُتحرجمين
يتحرجَمون حوله وكأنه رضوان حارس الجنة. "قل لي يا رضوان، وينتا
بفتحوا؟.."؛ "خيا أنا معي رقم 659 وجاي من آخر الدنيا، بلكي
تدبّرنا؟"؛ "إنتي من وين يا رضوان؟ لا؟ّ بتعرف محمد؟ الأصلع.. يا زلمي
اللي عندو سوبارو".. هكذا تجد نفسك، من باب الفضول لا أكثر، تنضمّ إلى
المتحرجمين حول رضوان (رضوان الله عليه). تتابع وتشاهد المأزق الذي وقع فيه رضوان.
الرضاونة قسمان:
الأول خجول، حائر، كل ما يريده هو أن تنتهي الساعات الثماني وأن يخلع
"الفِست" الأخضر اللميع وأن يعود إلى غرفته وآيفونه. أمّا القسم الثاني –والعياذ
بالله- فهم ينتظرون مثل هذه اللحظات. ومع أنهم لا يمونون على شيء إلا أنّ حركة
أجسادهم تتغيّر فجأة، وأمام أكثر من عشرة أشخاص من العرب العاربة يشعرون بأهمية
عظيمة، ويبدأون بنعف الإجابات الأكيدة، يسارًا ويمنة. وعندما تقول صبية إنّ
"اليهودي اللي غاظ" قال أمرًا مخالفًا، يتلعثم رضوان المختال ويستدير
فجأة بثقة وهو يطلب التريّث بأصبعيه، ويتوجّه إلى المسؤول اليهوديّ وكأنه ذاهب إلى
اجتماع تشاوريّ قبل ضرب العراق. ومنعًا للإحراج والاعتراف بأنه أجاب على سؤال لا
يعرف عنه شيئًا، يقول بثقة وهو عائد: "معلش خيتا، غيّروا النوهاليم".
الحقيقة أنني
أشفق على المتزلفين العرب من رضوان. فقبل فرض اليهود لمنع التدخين في الأماكن
العامة، كان الكلام مع رضوان يبدأ بحركة إجبارية: يقترب الرجل المتزلف من رضوان،
يمدّ يده إلى جيب بلوزته على الشمال، يُخرج علبة سجائر "تايم"، وفورًا
يُخرج سيجارتين من العلبة ويمدّ واحدة لرضوان من دون أن يسأله. هناك من يتحمّسون
لهذه الحركة ويلقون السيجارة من منتصف المسافة بحيث تصطدم برضوان وتقع على الأرض،
فيبادر المتزلف بإخراج سيجارة أخرى من العلبة وهو يصيح بحماسة: "فلّت، فلّت..
دخّن معلم." والآن، وقد ذهبت هذه المتعة السجائرية إلى الأبد، فإنّ الحركة
الإجبارية التي صارت تسبق التزلف أمام رضوان هي النظر إلى السمارتفون قبل سؤاله:
"قل لي ياخي، وينتا بفتحوا؟.. أنا من الثماني هون." ومع أنك تعرف جيدًا
أنه لم يكن في الثامنة هنا (ربما طيفه الأخاذ)، إلا أنّ هذه الكذبة البيضاء (مثل
كل حياتنا المبنية على الكذب الأبيض) تندرج بشكل طبيعيّ في سياق الحديث. فلماذا
يتعب المرء رأسه في تنقية الحقيقة من أطنان الكذب الأبيض؟ هل جئنا للتكمّم أم
لمقاتلة الناطور؟
وبرغم معاناتي
(كمواطن صالح ومطيع) في الطوابير إلا أنني في المحصلة أحبّها. في عيادات المرضى،
في البنوك، في السوبرماركت. إنها المجسّ الأصدق لانعدام علاقتنا نحن العرب في دولة
اليهود مع أمرين: علاقتنا مع مؤسّسات الدولة، وعلاقتنا مع الحيز العام، الشارع
والمؤسسات التي تخدمنا. إنها الوجه الآخر لمن يشتري سيارة فولفو جديدة وفي بيته عفش
و"برادي" من أغلى الأنواع، فيما القمامة مكدّسة في الشوارع حتى باب
بيته.
ولأنّ العرق
دسّاس والجاجة ما بترمي طيزها، تقترف بنفسك إثم الاتكال على رضوان وتحاول التقرّب
منه أيضًا علّك تعرف متى يفتحون، وربما لتتحسّس قليلاً إذا كان ادعاء "أنا
جاي من عكا أخوي" سيسري على رضوان وجلاوزته من أبناء عمنا. ولكنك تختار طريقة
أذكى وأكثر حنكًا ونخبوية: "إنتي خيّا بتقرا موقع قديتا؟.. بتعرف زاوية
كويريات؟"
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)