السبت، 23 فبراير 2008

أعجمي يستعجب من قدرات النساء المسلمات!

الجمعة، 22 فبراير 2008

نجيب النجيب


"بروتوكولات حكماء ريش" هي إحدى المجموعات الشعرية للشاعر والمسرحي والممثل المصري الكبير نجيب سرور، وقد اقتنيت الكتاب من معرض الكتب في القاهرة، مع أنني كنت مطلعًا على شعر سرور وكتاباته من خلال الإنترنت. وقد صدق حدسي بأنّ دار "الشروق" المصرية الممتازة لن تصدر مجموعة سرور من دون قيمة مضافة، حيث أنّ المقدمة التي أنجزها الكاتب المصري عبده جبير، صديق سرور، هي مقدمة ممتازة تلقي الضوء على إبداع سرور وتوجهه في الحياة والإنتاج، كساخر وناقد لاذع، قلّ أمثاله في تاريخ العرب الحديث.


وقد توفي سرور بعد نكسة 67 بقليل، ولكنه لم يرحل من دون مشهد مسرحي هائل، لا أقاوم أبدًا إيراده هنا، بالكامل تقريبًا، على لسان جبير، كما ورد في المقدمة:


"كنتُ أجلس على نفس المقهى، وكان الوقت عصرًا، وجاء الشاعر أمل دنقل عرقان هائجًا مغتاظًا، جلس دون أدنى تحية على المقعد المقابل، وأخذ ينفخ الدخان بعنف، ويبتلعه بقوة إلى صدره، وخلتُ أنه لا بدّ وأنّ هناك شيئًا، فقلت:


- مالك؟ فيه إيه؟


قال بغضب:


- روح شوف نجيب بيهبب إيه في التحرير؟ (ميدان التحرير الشهير في وسط البلد)


(...) رأيت يحيى الطاهر عبدالله، كاتب القصة القصيرة، على الجانب الآخر من الرصيف المقابل للمقهى، يقف ليضخّ نصائحه في سمع شاب، يبدو أنه كان يعمل على تجنيده فيما كان غالب هلسا، الكاتب والمفكر الأردني الذي عاش في مصر قرابة ربع القرن، يقول عنهم "ميليشيا يحيى الطاهر عبدالله"، أسرعت في اتجاهه مهللا:


- يا يحيى، تعال نشوف نجيب بيعمل إيه في الميدان؟


كان يحيى منشغلا ببث أفكاره الثورية في عقل الشاب، فقال:


- بيكون بيعمل إيه يعني؟ دا بيمثل.


وبالفعل، هرولت حتى وصلت إلى الميدان: رأيت نجيب سرور يقوم بأداء عرض مسرحي كامل، مُمسكًا بيد ابنه الصغير الأشقر الجميل، فريد:


- ألاؤنا، ألا ترى، مين يشتري الورد مني؟


وتذكرت أنني حين رأيته، منذ ليال مضت، على خشبة وكالة الغوري يقوم بالتمثيل في مسرحية "أوكازيون" أحسست ساعتها بأن مساحة المسرح ضيقة على هذا الممثل العبقري، وهأنذا أراه وقد وجد الحل:


- التمثيل في أكبر ميادين القاهرة.


(...) كان الجمهور يعرف بالطبع أنّ هذا هو نجيب سرور، الممثل العبقري، الكاتب والشاعر، لذا فقد رأيتُ الدموع في عيون الناس وهم يتابعونه بشغف، وأذكر أنني سمعتُ أحدهم يقول:


- هذه هي آثار الهزيمة."


بعد هزيمة 67 وقف نجيب سرور في ميدان التحرير وعرض ابنه للبيع، في وقفة مسرحية مدوية لخصت كل شيء. وهو الذي تنبأ قبل وفاته أنّ الصهاينة سيأتون ذات يوم للجلوس في مقهى "ريش"، وهو المقهى الذي كان يرتاده أهل الثقافة والفن، "الحقيقيون والأدعياء" على رأي جبير. لم يصدقه أحد، وقتها، ولكن نبوءته تحققت، وللأسف، في الزيارة الأخيرة إلى ميدان طلعت حرب، حيث قهوة "ريش"، كان المقهى مغلقًا، والكراسي مرفوعة، ورأينا مُسنا سمينا يجلس إلى جانب قنينة بيرة "الستيلا" ويستغرب من هؤلاء الوافدين عنوة، ويقول بنفور ما: "إحنا منرمم".


ولا يحلو الختام طبعًا من دون بعض أبيات لنجيب سرور من قصيدته "إحباطات شعرية"، وهي تحت العنوان الفرعي "الإحباط الأول":

لأنّ العصرَ مثل النعش..
لأني جثة في النعش..
لأنّ الناسَ.. كل الناس..
دمي من قش..
لأن..
لأن..
(المعنى في بطن الشاعر،
والشعر عدو خواء البطن،
جوعان في القرن العشرين،
والإنسان الجائع كلب!
كم في الجيب؟!
ماذا كنت أقول..

كنت أقول الشعر..
أشعر أني ميّت..
فإلى الفول بزيت!..)

في براري "المملكة"


لم يجدد فيلم "المملكة" الأمريكي شيئًا في طرحه، فالقصة واضحة ومفروزة منذ سنين: إرهابيون إسلاميون ينفذون مذبحة بحق غربيين (رعايا أمريكيين في السعودية) وطاقم "إف بي آي" (بقيادة جيمي فوكس) يهبون إلى المملكة للتحقيق والكشف عن القتلة واغتيال زعيمهم- الأمر الذي يتحقق في النهاية، طبعًا. من هذه الناحية لم يفاجئ فيلم "المملكة" إلا بأمر واحد: العرب مقسومون الآن، وفق المعادلة الجديدة: متطرفون ومعتدلون.


والمعتدلون في الفيلم هم قوى الأمن السعوديون (أشرف برهوم وعلي سليمان)، اللذين يريان في منفذي العملية أعداء لهما أيضًا. هل أساء برهوم وسليمان اختيار دوريهما في هذا الفيلم الأمريكي المُجند، سياسيًا وأخلاقيًا؟


من جهة، لعبا أدوارًا في فيلم ترويجي للمنظومة الأمريكية الجديدة في منطقتنا، ومن جهة أخرى لم تكن أدوارهما نمطية أو مهينة، كعرب مسلمين. بديا في دوريهما مقنعين، محبين للبشر، ندّين واعيين ولهما قدراتهما وجانبهما الإنساني- وفي هذا تجديد كبير وغير مسبوق في الأفلام الأمريكية.


هذا السؤال هو كبير وعويص، طبعًا، وكل فنان يعرف حدوده وخطوطه الحمراء التي يضربها حوله أثناء سعيه للقمة. واللافت هو أداء برهوم الممتاز في الفيلم، فبرهوم هو ممثل سينمائي بالفطرة، حضوره قوي وغلاب، وحضوره أمام الكاميرا قوي ومتين.
إذًا، ما العمل؟ نقبل أدوارًا كهذه أم لا؟ الحقيقة أنّ هذا يتعلق بأفكار ومعتقدات كل فنان: فمن حق كل عربي أن يؤمن بنبذ العنف وأن يستنكر الإرهاب الدموي، حتى لو جاء من عرب ومسلمين وحتى لو توافق هذا الإيمان أحيانا مع البروبغندا الأمريكية. هذه معضلة كبيرة، والمطلوب دومًا هو الوعي لها والحذر منها.


فليقُد كل منا ناقته وفق ما يشاء ويرغب، وهذا حقه المطلق، وليتحمل في نفس الوقت تبعات قراراته وإسقاطاتها وما يمكن أن تثيره من ردود فعل- وهذا حق المشاهدين والمتلقين المطلق.


فيلم "المملكة" هو فيلم متوسط، رغم بعض المقاطع الجيدة فيه ورغم الاستثمار في المؤثرات الفنية والخاصة. وخسارة أنّ من يموت في النهاية هو الكولونيل الغازي (برهوم) وليس عميل "إف بي آي" فلوري (فوكس)!

الجمعة، 15 فبراير 2008

مُعضلة عرب!


بعد أن هدأت العاصفة (حاليًا) التي رافقت مسلسل "شغل عرب"، الذي عُرض على القناة الثانية، وبعد أن انتهى بثّ حلقاته (التي شاهدتُ معظمها)، يمكن أن يتناول المرء هذا المسلسل الخِلافيّ، بما يكفي من الهدوء (النسبي) والبُعد الزمنيّ والجداليّ.


الأمر البارز في تناول الصحافة العربية للمسلسل هو تجاهلها للعناصر الفنية الخاصة بالمسلسل وتركّزها في العنصر الذي يمكن أن نسمّيه "القومي" أو "السياسي"؛ فبثّ مسلسل ساخر وكوميدي عن العرب وبالعربية في قناة بث عبرية-إسرائيلية هو لا شكّ سابقة، أعتقد أنها حصرت النقاش في البرنامج في حدود النقاش السياسي المُسيطر على جميع جوانب حياتنا، وأعتقد أنّ القيّمين على البرنامج هم من شجّعوا بالأساس هذا التعامل، بدرجة لا تقل عن تعاملنا معه كعرب، أبناء لأقلية قومية تعاني الأمَرّين من الإعلام العبري.


فالقيّمون على البرنامج (الإنتاج وجهة البثّ) قرّروا أن ينعتوا هذا البرنامج بالتاريخيّ وغير المسبوق، وبأنه ثورة صغيرة (أو كبيرة) في مفاهيم البثّ التلفزيوني الإسرائيلي. من يفعل ذلك عليه ألا يستغرب الردود التي تعاملت معه من هذا المنظار، وبالتالي تسييس البثّ ومضامينه وتحليله من وجهة نظر تاريخية (صورة العربي في الإعلام العبري؛ عنصرية المجتمع الإسرائيلي؛ علاقتنا مع الآخر). فإذا كان البرنامج تاريخيًا حقا، فإنّ التعامل معه لا يمكن أن يخرج من هذا السياق، التاريخي-السياسي-القومي، ومن هنا يمكن فهم الردود الساخطة عليه، لأنه لم يحمل أية بشرى في هذا السياق، خصوصًا أنه كوميدي- وسأفسّر. يمكن فهم هذه الرّدود، ولكن ليس تفهمها بالضرورة.

بالغ يبالغ مبالغة

الكوميديا هي فن المبالغة ولن تجدوا كوميديا ناجحة في العالم (منذ أرسطو وحتى اليوم) لا تعتاش على السلبيّ والغريب والشاذّ. الأمور الإيجابية تُعالج في التراجيديا والدراما، والأمور السيئة، الدنيوية، الغريبة، تُعالج بالكوميديا. ليس هذا معناه أنّ الكوميديا لا تعالج أمورًا إيجابية؛ ما أقصده هنا أنّ معالجة المواضيع قاطبة (الجيدة والسيئة) في الكوميديا تتم عن طريق المبالغة، وربما التسخيف. من هنا فمن الصعب أن نقبل النقد الذي وُجّه للمسلسل بأنه "يسخر من العرب" أو "يضحك عليهم"، فلا توجد طريقة أخرى لصنع الكوميديا. قد نناقش في الجوهر: هل جانر الكوميديا هو الجانر الذي يجب أن يُبدأ به في انقلاب تاريخي؟ هذا هو السؤال، والحقيقة أنني لا أملك إجابة قاطعة عليه. وأعتقد أنّ السياق السياسي والمجتمعي والعنصري في البلاد لم يكن في صالح المسلسل، إلى جانب أننا كعرب، كشعب وكأمة، لسنا جيدين (كأقل ما يُقال) في تقبل السخرية والكوميديا، وأضِف إلى ذلك أنها تأتي في منصة عبرية-يهودية لا تنصفنا وتلعن فاطسنا، ليل نهار!


هذه هي المعضلة الأساسية التي طرحها المسلسل، وهي صعبة، ولكنها ليست سببًا بأيّ شكل من الأشكال للتخوين والقذف والتشهير.

من يُمثل العرب؟

الأمر الثاني الذي يجب الالتفات إليه هو أنّ هذا المسلسل ترفيهي خيالي، مثل أي "فيكشن" سينمائي أو تلفزيوني، وهو ليس وثائقيًا أو تسجيليًا يجلب الواقع كما هو. والضجة التي قامت مثلا حول تحايل الأب (سليم ضو) على ابنه أمجد (نورمان عيسى) أثناء شراء السيارة في الحلقة الأولى، هي ضجة ليست في مكانها؛ من قال إنّ الأب في المسلسل يمثل جميع الآباء العرب؟ هو، في دوره المكتوب في المسلسل، يمثل الشخصية التي بناها الكاتب (سيد قشوع) ولا شيء غير ذلك. ولكننا، كعرب، اعتدنا طيلة السنوات العجاف الكثيرة، أن نتعامل مع كل عربي يظهر على شاشة التلفزيون على أنه يمثل جميع العرب ويمثل القضية الفلسطينية وحرب لبنان وحرب أكتوبر ونكسة 67 والنكبة ومعركة حطين. هذه طامة كبرى يجب أن نتخلص منها، وهي تفعل بنا ما يفعله الآخر العنصري: تجعلنا أحاديي الأبعاد، مُسطّحين، غير مثيرين كأفراد لهم عوالمهم المستقلة والمتميزة.


إلى جانب كل هذا، يجدر الالتفات إلى الإستراتيجية التي اتبعها القيّمون على البرنامج: تعالوا نبث الحلقات الأولى الصعبة تجاه العرب كي يُقبل الجمهور اليهودي على المشاهدة، ومن ثم نبثّ حلقات أقل حدّة ضد العرب ونقدية أكثر تجاه اليهود. هذه استراتيجية تسويقية تعتمد على حقيقة بسيطة وواضحة: المسلسل مُعدّ لليهود وليس للعرب، ولذلك فإنّ الهدف هو تسويقه جيدًا بين اليهود، عن طريق جذبهم بالضحك على العرب في البداية. وقد يكون هذا الأمر هو ما أثار الردود العاصفة ضد المسلسل، حيث كُتبت الغالبية الساحقة من الردود والتعليقات بعد بثّ الحلقة الأولى أو الثانية أو الثالثة، وهي الحلقات "السيئة"- لو رغبتم بهذه التسمية. وأيضًا: لو كنا نريد أن نحسب حسابًا لردّ فعل اليهود على ما نقوم به من أعمال، لما فعلنا شيئًا في هذه الدولة، وهل المجتمع الإسرائيلي بحاجة إلى "شغل عرب" كي يفكر عنا بنمطية سلبية؟

قشوع الأحمر

ونقطة أخيرة في السياق الماكرو السياسي-الاجتماعي: سيد قشوع هو قماشة حمراء باتت تستفزّ غالبية العرب هنا. أنا لست هنا للدفاع عن قشوع أو المسلسل، ولكنّ ظاهرة استسهال التهجّم على قشوع لأنه يكتب بالعبرية زادت عن حدّها وطفحت. وأريد أن أغضبكم أكثر: قشوع لا يختلف عن 95% من العرب في البلاد بأنه لا يعرف الكتابة بالعربية؛ فكوننا أقلية أمية في التعبير عن نفسها بلغتها هو أمر معروف للجميع. بل على العكس: على الأقل، قشوع يكتب بلغة ما، يحسن التعبير عن نفسه بالعبرية، فهل يحسن جُهّال العربية (غالبية أبناء أقليتنا الصامدة) التعبير عن أنفسهم بأية لغة كانت؟ لا شكّ أنكم تتبرّمون الآن ولكن لا يهم. وسأسدي نصيحة أخيرة للجميع، كإنسان تتمحور كل حياته في الكتابة: اللغة ليست هدفًا، إنها وسيلة. نحن، في رحلة صمودنا حوّلناها إلى غاية قومية عُليا وأنا أحترم هذا بحقّ، ولكن ويلٌ لنا إن حوّلناها إلى صنم نعبده!


إذا كان العربي يتقن الفرنسية فليكتب بها، وإذا كان يتقن الإنجليزية فليبدع بها. هل نحن أفضل من كُتّاب المغرب العربي الرائعين الذين أبدعوا جواهر أدبية كبرنا عليها، باللغة الفرنسية؟ لماذا تبجيل أنطون شماس مثلا وذمّ سيد قشوع؟

كوميديا مواقف

راوح مسلسل "شغل عرب" في موسمه الأول بين الإتقان وبين الابتذال هنا وهناك، وقد طغت هذه المراوحة على جميع حلقاته، أي أنّ الحلقات جميعها تميّزت بمواقف قوية جدية وأخرى ضعيفة ولم تكن الغاية منها إلا الإضحاك عنوة. وفي مثل هذه الحالات، لا يضحك المرء.


الشخصيات التي بناها قشوع والمخرج (روني نينيو) مثيرة في غالبيتها وتحمل في داخلها مكامن قوة درامية لا يمكن تجاهلها، إلا أنّ هذه الشخصيات القوية انحصرت في الرجال في المسلسل: أمجد، المشتت بين عالمه والعالم اليهودي؛ مئير، المصور اليهودي الذي يعمل معه أمجد، ويتغير تعامله السطحي مع العرب بعد تعرفه إلى أمال (ميرا عوض) التي يسعى لمغازلتها؛ والأب، الذي يسعى طيلة البرنامج كي يكون فهلويًا ومنتصرًا، بأيّ ثمن وبكل الحيل الممكنة. أي أنه يسعى ليكون "كومبيناطور" إسرائيليًا نموذجيًا، وحاشا وكلا أن يكون "فراير" يُضحك عليه- أي أنه مفسرل حتى النخاع، وبنظري أكثر من ابنه أمجد بكثير. فتذويت النزعة الإسرائيلية وتحويلها إلى حلول جاهزة (كما يفعل الأب) هما الأسرلة الخطيرة التي نحن ضدها، بينما البحث عن الذات، ولو بمشاعر الدونية ووسط ضياع مجتمعي، هو تجسيد لحالة الكثيرين من العرب في البلاد، ومن هنا التعاطف الذي يمكن أن يطوّره المرء لشخصية أمجد، بدلا من كراهيته لأنه "بدو يصير يهودي".


المسلسل مكتوب وفق مبادئ كتابة مسلسلات الدراما الغربية: موسم من 13 أو 9 حلقات؛ كل حلقة 25 دقيقة (غير الإعلانات)؛ قصص قصيرة في كل حلقة وخلالها تنمو وتكبر قصة أو قصتان كبيرتان تستمرّان طيلة الموسم. والمسلسل من هذه الناحية مكتوب بشكل جيّد ومتقن، وفي حلقات معينة ممتاز. كما أنّ قشوع كتب مسلسلا بالعربية وفق مبادئ هذا الجانر، في خطوة نادرة، حيث اعتدنا على المسلسلات العربية وهي تكتب بوتيرة درامية شديدة البطء، وبحلقات طويلة (ساعة واحدة) ولفترة طويلة (20 أو 30 حلقة).

متهاونون أم متعصبون؟

هذه تجربة جديدة تُسجّل لصالح هذا المسلسل وهي تثبت أنّ العرب ليسوا مُدمنين بالضرورة على صنع وإنتاج المطولات الرمضانية فحسب. ليست هنا أية مفاضلة بين الجانرين: لكل واحد مُستهلكوه ومُحبّوه ولا أعتقد أنه توجد معادلة صواب أو خطأ في هذا الصدد.
كما أنّ البرنامج يراوح في ماهية الكوميديا التي يقدمها بين نهجين أساسيين: كوميديا المواقف والسليبستك، والثاني أخطر وأصعب لأنه سريع المنزلق نحو الابتذال والسطحية، وغالبية المواقف الضعيفة في المسلسل نبعت من هذا النوع من الكتابة، بينما نبعت المواقف الجيدة أو الممتازة من كوميديا مواقف متينة (توهّم المصور بأن العرب اختطفوه؛ العنزة التي تتقن لعبة الهوية؛ عيد الفصح العربي). وفي مجمله كان "شغل عرب" مسلسلا جيدًا من ناحية المُؤدّى والجانب الفني، وأعتقد أنّ القيّمين عليه سينجزون موسمًا ثانيًا (بُدئ العمل عليه) أفضل من الموسم الأول، بعد تجاوز هفوات المغامرة الأولى.


هل يمكن الفصل بين الجانب الفني-الدرامي للمسلسل وبين جوانبه السياسية-القومية؟ أنا شخصيًا أستطيع فعل هذا (ببعض الصعوبة)، وهذا لا يجعل مني مُتهاونًا أو مُتخاذلا، كما أنه لا يجعل ممّن لا يستطيعون الفصل بين الأمريْن، مَحدودين ومُتعصّبين.

الخميس، 7 فبراير 2008

على كده تعرف محمد؟

إذا لم تكن القاهرة (مصر) أم الدنيا، فهي لا شكّ خالتها!

دبيبُ البشر الزاحف في كل جسدك يعيد إحياء الخلايا الخاملة التي تخدّرت بفعل عناوين "واي نت" والفقرات الدعائية في "عروتس 2" (القناة الثانية). بعد ساعتين من وصولك القاهرة واجتيازك لبوابات الأمن في المطار تشعر بأنّ قوة ما ألقت بك في أحضان هذه المدينة العملاقة، فتشمّ عرقها وتتُوه في وسخها وفوضاها، ولكنكَ رغم كلّ شيءٍ تلقي رأسك في حضنها وتستمع إلى الأهزوجة الجميلة التي تغنيها لك، 24 ساعة متواصلة، بلا كسل أو ملل.

إنها القاهرة، أكبر مدينة في العالم العربي، ومن أكبر مدن العالم: 30 مليون إنسان! عليكَ أن تكون هناك، في ميدان طلعت حرب، عند تمثال ابراهيم باشا، في ساعات الزحام اللانهائية، كي تفهم حتى النهاية عبقرية النكتة السريعة التي سمعتَها في طفولتك: "قاللو: حضرتك من القاهرة؟.. قاللو: أيوه. قاللو: على كده تعرف محمد"؟

كوشري
كان الجدال حاميًا بيني وبين مرافقيّ، حول طبيعة المواد التي يُصنع منها "الكوشري"، وقد ازدادت السخرية والاستنكار حين قلت إنني أعتقد أنها مصنوعة من المعكرونة، حين أنقذني سائق التاكسي من ورطتي: الكوشري يتعمل مِ الحمص والمعكرونة، وقد أضاف مُركّبًا آخر نسيته الآن. وفي النهاية لم آكل "كوشري"؛ فالشائعات تروي عن الكثيرين ممن أتوا أرض الكنانة ومرضوا من أكلها ومائها، فـ "انسهلوا"، وقضوا فترة إجازتهم في الفراش، يروحون ويجيئون بين السرير والحمام (وأنا لم أفهم بعد لماذا لا يفترشون أرض الحمام فيوفرون على أنفسهم عناء الشحشطة والبهدلة).

ولكنني أعتقد أنّ هذه القصص اخترعها "عرب إسرائيل" (وأنا لم أقل فلسطينيي الداخل أو عرب 48، عنوة وعن قصد) كي يقولوا في النص الخبيء (سَب تكست) لكلامهم: عزا، إحنا أنضف خيّا. أي أنّ المليون عربي عندنا، الذين كانوا يعيشون حتى قبل 10 سنوات في مستنقعات المجاري في شوارع قراهم وبجانب بيوتهم، أنظف وأرقى من المصريين، ومَثلنا في هذا كمثل "القرعا اللي بتهت بشعر بنت أختها"، حيث أننا نفتخر بالعمران والحضارة في إسرائيل، وهما إن وُجدا أصلا في دولة الموشافيم والخضيرة ونتانيا، فهما ليسا من حصتنا ولسنا من جلبهما أصلا.

لماذا كل هذا الغضب؟؟ لأنني لم آكل "كوشري"، مع أنني كنت مصممًا على ذلك، كثاني أهم هدف من الزيارة الخاطفة للقاهرة!

خير جليس... يحتضر
والسبب الأول والأهم هو زيارة معرض القاهرة الدولي للكتاب، وهو بحق معرض هائل، كبير، مترامي الأطراف، له أول بلا آخر، وهو بئر بلا قرار، تتسّع للكتب وللمباني ولخلق الله الكثيرين، الذين اختاروا أن يقضوا يوم إجازتهم (الجمعة) في المعرض، يتفرجون ويشترون ويأكلون ويتلذذون بشمس الشتاء القاهرية (جِدوا لي عربيًا واحدًا من هنا يقضي إجازته في معرض للكتب!). وقد انشغل الناشرون الذين التقيتهم بقضايا مصادرة الكتب (أو "ضياعها" في الشحن، كما يقول المنظمون) وبأنّ أحوال المعرض التنظيمية من سيء إلى أسوأ.

والكثيرون يرون أنّ تحوّل المعرض الدولي الشهير إلى مركز للكتب السّلفية الإسلامية، على حساب العلم والأدب، هو آفة سببها الحكومة والإعلام اللذين لا يشجعان الجمهور على القراءة، بينما لا يحتاج المُريدون في المساجد إلى وسيلة ترويج لشراء آخر كتب القرضاوي. وقد روى لي صحافي صديق أنّ أكثر الندوات الأدبية اكتظاظًا في أيام المعرض كان عدد روادها 50 شخصًا، أو يَقلّون، بينما اضطر المُنظمون إلى تكديس آلاف الوافدين لحضور ندوة لداعية إسلامي نسيت اسمه (أعتقد أنّ هذا استعلاء علماني مني). هذه معركة على الكلمة خسرناها نحن العلمانيين (أو غير المتدينين على الأقل)، ويجب أن نعترف بفشلنا: الناس بغالبيتها تحب أن تقرأ، يظل السؤال كيف نصلها وبأية أدوات نخاطبها.

لا يكفي يوم واحد لمعرض الكتاب ولا يومين ولا ثلاثة. كما لا تكفي النقود التي تجلبها معك مهما كانت (يخلف على فيزا أم محمود الدولية، ذات اللون الذهبي)، فالكتاب يجرّ آخر، وكلما انتقلت من "بسطة" دار نشر إلى أخرى، تكون مقتنعًا بأنك ستموت أمّيًا حقيرًا لو لم تشترِ هذا الكتاب الجديد، وهكذا دواليك، حتى تخرّ صريعًا إلى جانب مدخل المعرض الدولي عند شارع صلاح سالم، تنتظر أيّ تاكسي حقير كي يأخذك إلى الفندق حسن الصيت، وهذه حكاية أخرى.

البيه خرونغ؟
فقد اكتشفتُ، بتأخير كبير، كبير جدًا، والحقيقة أنني اكتشفتُ الاكتشاف الهائل التالي الآن، ليلة الأربعاء، وأنا أكتب هذه المادة، وقد مضى على عودتي من القاهرة ثلاثة أيام، إكتشفتُ أنّ سائقي التاكسيات قد "استضرطونا"، استيحاءً من اسم الفندق الذي كنا ننزل فيه: فاسمه ذو النجوم الخمس يدلّ على البَرجَزة والغنى وامتلائه بعمامات الخليج العربي الشقيق، فلا بد إذًا أننا من أصحاب الدراهم، وهم لا يعرفون أنّ تكلفة المشوار مشحوذة من مؤسسة خيرية، تركز أغلب جهدها الحضاري بتسيير البرامج التثقيفية وبناء مراكز الطفولة ودعم كاتب هذه السطور.

وحبذا لو أننا نزلنا في بانسيون في وسط البلد، بدل أن ينقسم وسطي، كما فعل أصدقاء التقيناهم في المطار عائدين إلى الوطن، وقد اتضح أنّ تكلفة ليلة واحدة في الفندق الفخم الذي قضينا فيه (لاحظوا ازدواجية المعنى في هذه الكلمة؛ يا للذكاء!) زادت بقليل عما كلفهم لقاء سبع ليالٍ بطولها في البانسيون، الذي شهدت بصدده الرفيقه أنه "منيح، وكويس وابن حلال"، مع أن زوجها تنحنح باضطراب وهو يقول: "فقط لو كانت فيه تدفئة"!

ومقام سيدي الحسين!
وها هو صديقي العزيز سيد رجب، الممثل المسرحي المصري، الذي يكتب فيلمًا سينمائيًا في هذه الأيام، وهو سبب ملتقانا سابقًا، يصحبنا في رحلة ليلية إلى خان الخليلي ومقام سيدنا الحسين (حفيد علي، وليس الملك)، ثم لنجلس إلى طاولات صغيرة تكدّسنا عليها، أم محمود وأنا، والصديق الشاعر مروان مخول ومدامه (لاحظوا ازدواجية المعنى مرة أخرى!) غصون. وكعادتي في كل مقهى طلبت السحلب وأخذ سيد يحدثنا عن المنطقة وتلابيبها، وكنتُ أنا غارقًا في تأملاتي بأنني أجلس الآن في المقهى الشهير، قهوة الفيشاوي، وأنفث دخان الشيشة من منخاريّ كالتنين، وأشعر بسعادة غامرة بأنني وسط هذا، بعيدًا عن أولمرت وبراك وخراء الحكومة الإسرائيلية، وتقرير فينوغراد (الذي اتضح فيما بعد أنه مخصي أكثر من عمير بيرتس).

إسرائيل تنخر عظامك، تحتل مساماتك، تأكل من نظرك وشمّك وإحساسك، حتى لتظن، في لحظات التعب والإنهاك اليومي، أنها هي الدنيا بعينها، لا شريكَ لها. في تلك اللحظة تذكرتُ أحدهم حين قال إنّ العرب في العالم لو بصقوا على إسرائيل كلهم لغرقت فورًا، ولكنّ ما أحزنني أنّ البيه الذي جلس قبالتي لم يسمع بهذه الدعوة للجهاد البصاقي، فألقى بصقته الكثيفة على الناصية، قبالتي، فغرقتُ أنا في قرف قشعريريّ، بدل أن تغرق إسرائيل، حسب النبوءة!

هي فوضى؟
الكل وفق إيقاع، مليء بالفوضى والارتجال، ولكنه متفق على الجميع: السيارات تخالف إشارات المرور وقوانين السّير ولكن هذا لا يزعج أحدًا: فحين يخالف الجميع أوامر الجميع، تصير المخالفة أمرًا طبيعيًا وربما حيويًا لاستتباب الأمن (في إحدى الليالي كنا عائدين من سهرة في تاكسي، وعند الناصية وقف شرطي ينظم السير، فتوقف سائق التاكسي. وقد سألته لحظتها إذا كان يحترم الإشارات الضوئية، فقال وهو ينظر إلى الشرطي الذي حاول أن يمنعه من المشي، عبثًا: إحنا على جثة، على شخص واقف ممنردش، عاوزنا نرد على إشارة؟). يصير خرق القانون والنظام الوسيلة الوحيدة للبقاء، والوسيلة الوحيدة للتنقل من مكان إلى آخر.

القاهرة "صارت بدورين"، أي بطابقين، أي أنّ الدولة بنت جسورًا (كُبري) فوق غالبية شوارع القاهرة، فصار الشارع شارعين باذن مبارك. لا يمكن أن يتخيل المرء طريقة أخرى للتنقل من دون طابقين من الشوارع، وربما ثلاثة. إنه صراع بقاء هائل، متعب، محزن، منهك. ترى التعب في كل التفاتة وفي كل كلمة. شعب هائل يركض وراء اللقمة ووراء الأوتوبيس ووراء التاكسي ووراء بعضه البعض. ولكنهم، في إنسانيتهم الرائعة، لا ينسون أن يبتسموا لك وأن يسمعوك بعض النكات، فأنت ضيفهم، يُكرمونك وتُكرمهم، ومتزقش يا راجل، إنتا حتروح فين؟

(وعلى فكرة، فيلم "هي فوضى؟"، جديد يوسف شاهين، ليس بالفيلم الهائل. مجرد نصيحة. بقشيش.)

الأربعاء، 6 فبراير 2008

دفاعًا عن "ماحاش"!

في تقريره الأخير عن إغلاق ملفات قتلى هبة أكتوبر، قرر المستشار القضائي للحكومة، ميني مزوز، التنازل عن مهمّته الجماهيرية كحارس في وجه موبقات المؤسسة، وأصدر قرارا مخزيا ينضمّ إلى قرارات أخرى في ملفّات تحقيق جماهيرية عالجها المستشار.


لقد بدا مزوز، تباعا، مستشارا قضائيا متسامحا، محافظا ومخلصا للمؤسسة التي من المفترض أن ينتقدها ويلجمها. وتجلّى خنوعه بشكل صارخ في كل ما يتعلّق بمواطني الدولة العرب، حيث دعم رئيس الشاباك، يوفال ديسكين، قبل شهور عدّة، في كل ما يتعلّق بملاحقة أعضاء التجمع الوطني الديمقراطي وكلّ أولئك الذين يناضلون من أجل تغيير طابع الدولة عبر الأدوات الديمقراطية.

قرار مزوز الأخير إغلاق ملفات التحقيق ودعمه المطلق والمستهجَن لوحدة التحقيق مع الشرطيين (ماحاش)، تمخّضا عن "فأرين" شرّيرين بشكل خاص: تفهّّم السهولة غير المحتملة في قتل العرب مواطني الدولة؛ وتدعيم "ماحاش" كحامية لشرطيين مخالفين، بدل أن تشكّل جسما محقّقا ومراقبا ومعاقبا ومحذّرا.

فيما يلي بعض من حقائق أوليّة في تقرير مزوز:

  • كتب مزوز في تقريره أنه وطاقمه نفّذا استكمالا للتحقيق في ملفّات القتل. كيف يتلاءم هذا مع الدعم المطلق الذي منحه لقرار رئيس "ماحاش"، هرتسل شبيرو، والمُدّعي العام للدولة، عيران شندار، قبل أقل من عاميْن؟ لقد اعتقدنا أنّ استكمال التحقيق يعني أنّ التحقيق الأوّلي لم يُستكمل، ما يعني أنّ ادّعاءات مركز "عدالة" (ممثّل العائلات الثكلى) بأنّ التحقيق كان سطحيّا ويعتوره الإهمال- هي ادّعاءات متينة. فلماذا لم تحظَ "ماحاش" بالنقد على إغلاقها الملفّات؟
  • تقرير مزوز هو بصقة في وجه لجنة أور، التي فحصت الأحداث وأصدرت تقريرا مسهبا ومفصّلا. مثلا، قرّرت اللجنة، بعد نقاش وإفادات كثيرة، أنّ غاي رايف لم يكن مُعرّضا لخطر على حياته عندما أطلق النار باتجاه المتظاهرين في سخنين، ما يعني أنّ إطلاقه للنار لم يكن قانونيا. لكن لمزوز كان رأي آخر: لم يكن ممكنا القطع والتأكيد على أنّ إطلاق النار لم يكن قانونيا. أمّا ما هي الأدلّّّة الجديدة التي اعتمدها؟ فالله أعلم؛
  • لقد تجاهل مزوز طلب لجنة أور الذي وجّهه إلى "ماحاش" للتحقيق في جميع ملفّات القتل. وفي هذا الشأن قررت "ماحاش" عدم إجراء تحقيق في خمس عمليّات قتل (أحمد جبارين، علاء نصّار، محمد خمايسي، وسام يزبك وعمر عكاوي). كلّ ما هنالك أنّ "ماحاش" قرأت تقرير لجنة أور، وحلّلت ما توصّل إليه، وقرّرت أنّ لا مكان للتحقيق، وذلك بخلاف طلب اللجنة المفصّل. هذه الحقيقة لم تُشغل بال مزوز إطلاقا، برغم الإهمال والإستخفاف في خطوة "ماحاش" هذه. وقد اعتمدوا في "ماحاش" في هذه الحالات شهودًا لم يقابلوهم أبدًا؛
  • كان المتهم الرئيس في ملف التحقيق في مقتل أسيل عاصلة من عرّابة شرطيًّا بالبزّة العسكرية. وقد رفض هذا الشرطي ست مرّات الخضوع إلى فحص من خلال آلة فحص الكذب. هكذا، لم يرغب بأن يرهق نفسه. لو أنه كان رجل جمهور (أو مواطنا عربيّا متّهما بالقتل) ويرفض هذا الفحص بمثل هذه المنهجيّة، لقامت الدنيا ولم تقعد. هل ظننتم أنّ أحدًا قام بتنحية هذا الشرطي؟ هل فحصت "ماحاش" الأمر؟ هل وبّّخه مزوز أو لفت نظره؟
  • لقد تمّ طرح ادّعاء يثير السخط بأنّ العائلات الثكلى وموكّليهم رفضوا التعاون في التحقيق. نذكّر بداية أنّ هذه العائلات هي من نادى بتشكيل لجنة تحقيق لغرض إجراء تحقيق أكثر عمقا. وقد اجتهدت هذه العائلات وموكّلوها ووصلوا الليل بالنهار في تجميع معطيات وشهادات من مكان الحدث، حيث تمّ تقديمها إلى اللجنة في بداية عملها، والذي أمر بدفن جثامين القتلى مباشرة بعد قتلهم هي "ماحاش" نفسها. وبهذا العمل فإنّ "ماحاش" أعلنت في يوم الموت بأنّ لا مصلحة لها بالتحقيق حتى النهاية. ومن الجدير ذكره أنّ إخراج الجثث لن يؤدّي بالضرورة إلى كشف الحقيقة. وهو الأمر الذي كتبه مزوز بنفسه، مبرّرا أنّ مضيّ الوقت من شأنه أن يؤثّر على جودة الفحص. ويجدر الذكر في هذا السياق أنه توفّرت لدى "ماحاش" ثقارير التشريح لأربعة من القتلى. فهل أدّى هذا إلى تقديم لوائح اتهام؟
  • ونسأل: ما هي العلاقة بين إجراء تحقيق جدّي وحقيقي وبين قرار انتظار التعاون من طرف المصابين؟ ماذا لو أنّ مواطنا يقول إنه لا رغبة لديه للتعاون في حالة سطو أو قتل؟ هل ستقرّر "ماحاش" عدم مضايقته وتغلق الملف؟
  • كتب مزوز في التقرير أنه في أعقاب إتلاف جزء من الادلّة في مخازن الشرطة، لم يعد بالإمكان الوصول إلى الذخيرة التي استعملت في أحداث أكتوبر. ربّما يكون مُحقّا، لكنه ويا للعجب صمت وسكت إزاء إتلاف الأدلّة! عذرًا، ولكن ألا تنتظرون من مستشار قضائي لحكومة في دولة قانون أن يجري تحقيقا جنائيا ضد إتلاف أدلّّة وضياعها؟ وبأيدي رجال شرطة؟
  • مهمّة الشرطة هي فرض النظام، بينما وظيفة الجيش إخضاع العدوّ. لقد اعتمد مزوز و"ماحاش" لغة من صنع المحكمة العليا، أثناء تطرّق الأخيرة لسلوكيات الجنود في أرض المعركة. هذا هو عالم المصطلحات لديهما، إذ يبحثان أحداثا تتعلّق بعرب مواطني الدولة، بمصطلحات "عدو" و"ساحة حرب". هذا هو النقاش الذي صبغ مسألة استعمال القناصين ضد المتظاهرين.

لقد داس مزوز برجل ثقيلة وصمّاء وجبانة أيّ احتمال لإحقاق العدالة. لكنّ دماء قتلى أكتوبر ستظل تصرخ حتى جلب قاتليهم إلى محكمة حقيقيّّة. ولدينا شعور بأنّ مزوز قرّر الإستمرار في الدعم الذي منحه، كي لا يسوّّّّّّّّّد وجه شبيرو وشندار، ووجهه هو نفسه، أمام الملأ، على حساب إحقاق العدالة.